((فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إشْكَالٌ, وَهُوَ أَنَّ اعْتِبَارَ آخِرِ الْوَقْتِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَنْفَرِدُ بِأَدَائِهِ، وَهُوَ سَائِرُ الصَّلَوَاتِ فَأَمَّا الْجُمُعَةُ لَا يَنْفَرِدُ هُوَ بِأَدَائِهَا، وَإِنَّمَا يُؤَدِّيهَا الْإِمَامُ وَالنَّاسُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ وَقْتُ أَدَائِهِمْ حَتَّى إذَا كَانَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمِصْرِ قَبْلَ أَدَاءِ النَّاسِ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ شُهُودُ الْجُمُعَةِ.)).
وقد نقل صاحب ((غمز عيون البصائر)) هذا التعقيب ولكن لم يذكر من القائل, بل قال: ((قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ)).
ونقل النووي في ((المجموع)) حرمة السفر بعد الزوال عن مالك وأحمد وداود. وانظر ((الذخيرة)) للقرافي.
وحكاه ابن المنذر عن ابن عمرو وعائشة وابن المسيب ومجاهد. ((المجموع)).
قال أبو الزهراء: وللشافعية رضي الله عنهم تفصيل هنا (ونقل عن الحنفية أيضاً انظر الموسوعة الفقهية, وعن الحنابلة كما في كشاف القناع) فإنهم قالوا:
إذا سافر بعد الزوال فحالتان:
الأولى: إذا كان يدرك الصلاة في الطريق أو في المكان المقصود فجائز السفر وواجب عليه حضور الجمعة.
الثانية: إن لم يكن في طريقه موضع للصلاة يؤخّر سفره إذا لم يضره ذلك حتى يصلي الجمعة ثم يسافر. انظر ((المجموع)) للنووي, ((مغني المحتاج)).
تنبيه:
واعلم هنا بوركت بأن صلاة الجمعة تجب عند الأذان والأذان لا يكون إلا بعد الزوال , فإذا أذّن المؤذّن فهو وقتها ولا يحل لمن وجبت عليه السفر بعد سماع النداء لقوله تعالى: {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله}.
ومن هنا تعلم بأن كثيراً من الفقهاء إنما أطلقوا قول بعد الزوال مريدين بذلك الأذان, لأنه لا يحل للمؤذن أن يرفع الأذان قبل الزوال, على الراجح. وسياتي تفصيل المسألة لاحقاً بعون الله تعالى.
فقول القائل: ((الظاهر أن الحكم مرتبط بالأذان لا بالزوال)).
ليس بالمستقيم, فهو مرتبط بالأذان والزوال معاً كما سبق تبيانه. والله أعلم.
قال القرطبي في ((الجامع لأحكام القرآن)) في المسألة الثامنة عند قوله تعالى {إذا نودي للصلاة} الآية:
((قوله تعالى: {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} دليل على أن الجمعة لاتجب إلا بالنداء والنداء لايكون إلا بدخول الوقت)).
الثالثة: ما كان قبل الفجر, وهي ليلة الجمعة.
قال النووي في ((المجموع)): ((أما ليلتها قبل طلوع الفجر فيجوز عندنا وعند العلماء كافة إلا ما حكاه العبدرى عن إبراهيم النخعي: أنه قال: ((لا يسافر بعد دخول العشاء من يوم الخميس حتى يصلي الجمعة)) وهذا مذهب باطل لا أصل له)).
قال أبو الزهراء: كره السفر في ليلة الجمعة بعض الشافعية كما في ((مغني المحتاج)) و ((الموسوعة الفقهية)). واحتجوا بحديث ((من سافر ليلة الجمعة دعا عليه ملكاه)) وهو حديث لم أجده بهذا اللفظ. وبه قال المحب الطبري. ((مغني المحتاج)).
وروى ابن أبي شيبة في ((المصنف)) بسنده عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: ((إذَا أَدْرَكَتْكَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ فَلاَ تَخْرُجْ حَتَّى تُصَلِّي الْجُمُعَةَ)).
قال أبو الزهراء: أما حديث ابن عمر فقد رواه الدارقطني في ((الأفراد)) عن ابن عمر مرفوعاً: ((من سافر يوم الجمعة دعت عليه الملائكة أن لا يصحب في سفره)) وفي إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف, ينظر ((الضعيفة)) ((218)). وحديث أبي هريرة رواه الخطيب في ((كتاب أسماء الرواة لمالك)) عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سافر يوم الجمعة دعا عليه ملكاه أن لا يصاحب في سفره ولا تقضى له حاجته)) , وفي إسناده الحسين بن علوان كذبه ابن معين ونسبه ابن حبان للوضع كما قال الشوكاني, وينظر ((الضعيفة)) ((219)).
وقد قال الحافظ في ((التلخيص)):
((فائدة: في ((الأفراد)) للدارقطني عن ابن عمر مرفوعاً: ((من سافر يوم الجمعة دعت عليه الملائكة أن لا يصحب في سفره)) وفيه بن لهيعة. وفي مقابله ما رواه أبو داود في المراسيل عن الزهري أنه أراد أن يسافر يوم الجمعة ضحوة فقيل له ذلك. فقال: ((إن النبي صلى الله عليه وسلم سافر يوم الجمعة)) , وروى الشافعي عن عمر أنه رأى رجلاً عليه هيئة السفر فسمعه يقول: ((لولا أن اليوم يوم جمعة لخرجت)) فقال له عمر: ((اخرج فإن الجمعة لا تحبس عن سفر)) , وروى سعيد بن منصور عن صالح بن كيسان أن أبا عبيدة بن الجراح, سافر يوم الجمعة ولم ينتظر الصلاة)).
ولذلك قال ابن المنذر في ((الأوسط)):
((لا أعلم خبراً ثابتاً يمنع من السفر أول نهار الجمعة إلى أن تزول الشمس وينادي المنادي, فإذا نادى المنادي وجب السعي إلى الجمعة على من سمع النداء)).
والله تعالى أعلم, والحمد لله رب العالمين.