تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

وإذا كان فهم القرآن الكريم، وطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، والعلم بأحكام هذا الدين (دين الإسلام) وشرائعه وآدابه = لا يكون إلا بعلوم الحديث؛ علمت ما هي مكانة هذه العلوم!! وفي أي قمة من مراتب العلوم تكون!! ثم علمت شرف أهل الحديث!! وعظيم فضلهم وكبير أثرهم في الأمة!!!

وقد جاءت السنة نفسها ببيان فضل أهل الحديث وشرفهم، في أحاديث كثيرة وآثار ذوات عدد؛ حتى صنف الخطيب البغدادي (ت 463هـ) كتاباً في ذلك بعنوان (شرف أصحاب الحديث).

ومن هذه الأحاديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم، حتى تقوم الساعة) ().

قال عبد الله بن المبارك (ت 181 هـ)، ويزيد بن هارون (ت 206هـ)، وعلي ابن المديني (ت234 هـ)، وأحمد بن حنبل (ت 241هـ)، والبخاري (ت 256 هـ)؛ قال هؤلاء الأئمة كلهم في بيان الطائفة المنصورة: (هم أصحاب الحديث) (). بل عبارة الإمام أحمد، وقبله يزيد بن هارون: (إن لم يكونوا أصحاب الحديث فلا أدري من هم).

وأي طائفة أحق بأن يكونوا هم تلك الطائفة الظاهرة المنصورة، من الذين حفظوا الدين، ونقلوا الملة، ونشروا السنة، وقمعوا البدعة؛ وهم أصحاب حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وحراسه، أهدى الناس بالسنة، وأتبعهم للأسوة الحسنة، بقية الأصحاب، ومرآة الرسول صلى الله عليه وسلم!! فلولا هم لما كان هناك فقيه ولا مفسر، ولا عالم ولا فاضل!! بل لولاهم لما كان هناك مسلم موحد!!!

ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة) ()، وذكر أهل العلم أن أسعد الناس بهذا الحديث هم المحدثون!

قال ابن حبان (ت 354هـ) بعد إخراجه هذا الحديث في صحيحه: (في هذا الخبر دليل على أن أولى الناس برسوله صلى الله عليه وسلم في القيامة أصحاب الحديث، إذ ليس من هذه الأمة قوم أكثر صلاة عليه صلى الله عليه وسلم منهم) ().

وقال أبو نعيم الأصبهاني (ت 430هـ): (وهذه منقبة شريفة يختص بها رواة الآثار ونقلتها، لأنه لا يعرف لعصابة من العلماء من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر مما يعرف لهذه العصابة نسخاً وذكراً) ().

ومن تردد في هذا الذي ذكراه (عليهما رحمة الله)، فليوازن بين صفحة أو صفحات من صحيح البخاري مثلاً وصفحة أو صفحات من أي كتاب في أحد العلوم الفاضلة (مما سوى الحديث)، كالتفسير والفقه وأصوله والعقيدة، لتظهر مصداقية قول ذينك الإمامين (عليهما رحمة الله)، ليعرف حقاً أن أهل الحديث هم أولى الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة!!

و (الجزاء من جنس العمل)، فكما كان أهل الحديث أهل حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا، وأولى الناس به صلى الله عليه وسلم فيها؛ كانوا أيضاً أولى الناس به يوم القيامة!!

وياله من شرف ومكانة وفضل!! لا يدانيه شيء أبداً!!!

ولله در القائل:

دين النبي محمد أخبار

نعم المطية للفتى الآثار

لا تخدعن عن الحديث وأهله

فالرأي ليل والحديث نهار

ولربما غلط الفتى سبل الهدى

والشمس بازغة لها أنوار ()

ورحم الله القائل:

دين الرسول وشرعه أخباره

وأجل علم يقتنى آثاره

من كان مشتعلاً بها وبنشرها

بين البرية لا عفت آثاره

ثم إن مكانة السنة تزداد أهمية فوق ما سبق كله، وتشتد حاجة الأمة لها زيادة على ما تقدم، عند ظهور الفتن وكثرة البدع والمحدثات.

ولذلك لما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، ووعظهم موعظة بليغة، وجلت منها القلوب وذرفت لها العيون؛ قال في وصيته تلك عليه الصلاة والسلام:

(فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدبين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) ().

ويقول أحد أتباع التابعين، وهو يحيى بن يمان (ت 189هـ): (ما كان طلب الحديث خيراً منه اليوم. قيل له: يا أبا عبد الله، إنهم يطلبونه وليس لهم نية؟ قال: طلبهم إياه نية) ().

فينبه هذا الإمام (رحمه الله) على ازدياد فضل طلب الحديث في زمانه، عن الأزمان التي سبقته؛ وهو من أتباع التابعين!! وفي القرون الفاضلة!! فكيف بزماننا!! وقد عمت الفتن، وكثرت، وتتابعت، واستحكمت الأهواء والبدع وطمت، واحلولكت ليالي الأمة .. وإلى الله الملتجأ وهو المستعان!

وأما قوله (رحمه الله) لمن قال له عن أهل الحديث: (إنهم يطلبونه وليس لهم نية، فقال: طلبهم إياه نية)، فهو ينبه إلى فقه دقيق، إذ يجيب ذاك الذي اتهم طلبة الحديث بقلة الإخلاص في طلبهم، بأن مجرد طلبهم للحديث عمل فاضل يؤجرون عليه بإذن الله تعالى. لأن الأعمال الفاضلة، وخاصة التي يتعدى نفعها نفس العامل، إذا لم يكن الدافع للقيام بها نية سيئة، كالرياء والسمعة ومطامع الدنيا، فإن صاحبها مأجور بالعمل نفسه إذا كان الدافع للقيام به محبة العمل والتعلق به (وهو عند أهل الحديث شهوة الحديث ومحبته)، مثاب وإن غفل العامل عن الإخلاص لله تعالى وابتغاء ثوابه!! وذلك لأن العمل ذاته فاضل مصلح، لا يخلو من أن ينتفع به غيره، وتتعدى فائدته إلى من سواه.

أو لعله يقصد أن طلب الحديث يوصل إلى حسن النية ويلجئ صاحبة إلى الإخلاص، كما كان يقول غير واحد من السلف: (طلبنا العلم لغير الله، فأبى أن يكون إلا لله) ().

وأي المعنيين قبلت – وكلاهما مقبول – فهو وجه آخر لشرف أهل الحديث!!

والنصوص في هذا المعنى كثيرة، أكتفي منها بما سبق.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير