تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد تعقب الرامهرمزي (ت 360هـ) هذا الحديث في كتابه (المحدث الفاصل بين الراوي والواعي) بقوله: (ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بين ناقل السنة وواعيها، ودل على فضل الواعي بقوله: (فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه غير فقه). وبوجوب الفضل لأحدهما يثبت الفضل للآخر ()؛ ومثال ذلك أن تمثل بين مالك بن أنس وعبيد الله العمري، وبين الشافعي وعبد الرحمن بن مهدي، وبين أبي ثور وابن أبي شيبة ()، فإن الحق يقودك إلى أن تقضي لكل واحد منهم بالفضل.

وهذا طريق الإنصاف لمن سلكه، وعلم الحق لمن أمه ولم يتعده) ().

ورحم الله السلف! فقد كانوا أسبق إلى كل خير وعلم وإنصاف؛ ولهذا لما روى مطر بن طهمان الوراق (ت 125هـ فيما يقال) حديثاً، وسئل عن معناه، قال: (لا أدري، إنما أنا زاملة)، فقال له السائل – وكان عاقلاً منصفاً – (جزاك الله خيراً، فإن عليك من كل: حلو وحامض) ().

وانظر إلى إجلال السلف لرواة الحديث، في العبارة التالية: يقول محمد بن المنكدر (ت 130هـ): (ما كنا ندعو الراوية إلا رواية الشعر، وما كنا نقول للذي يروي أحاديث الحكمة إلا: عالم) ().

ومما سبق إليه السلف من العلم والخير والحق، التنبيه إلى أن علم الحديث علم لا يقبل الشركة ولا توزيع الهمة على غيره معه.

يقول الربيع بن سليمان المرادي (ت 270هـ) تلميذ الشافعي: (مر الشافعي بيوسف بن عمرو بن يزيد (وكان من كبار فقهاء المالكية: (ت 250هـ)، وهو يذكر شيئاً من الحديث، فقال: يا يوسف، تريد أن تحفظ الحديث وتحفظ الفقه؟!! هيهات!!! " ().

وقد قدم الخطيب هذه الكلام من الشافعي، وهو يصف الذي يبرع في علم الحديث بقوله: "أن يعاني علم الحديث دونما سواه لأنه علم لا يعلق إلا بمن وقف نفسه عليه، ولم يضم غيره من العلوم إليه" ().

ثم أخرج الخطيب عقب ذلك العبارتين التاليتين:

يقول أبو يوسف القاضي (ت182هـ): "العلم شيء لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك وأنت إذا أعطيته كلك من إعطائه البعض على غرر" ().

ويقول أبو أحمد نصر بن أحمد العياضي الفقيه السمرقندي: "لا ينال هذا العلم إلا من عطل دكانه، وخرب بستانه، وهجر إخوانه، ومات أقرب أهله إليه فلم يشهد جنازته" ().فإن كانت هاتان العبارتان حقاً في العلوم جميعها، فهي في علم الحديث أولى أن تقال وأحق. وهذا هو ما قصده الخطيب، عندما ساقها في ذلك السياق.

ـ[المسيطير]ــــــــ[22 - 05 - 04, 08:54 م]ـ

.

ـ[المسيطير]ــــــــ[28 - 05 - 04, 10:53 م]ـ

وللتخصص في كل العلوم معناه، وفي علم الحديث له معناه الخاص به؛ فهو تخصص لا يقبل الانقطاع إلى غيره، مهما طال زمن التفرغ في تحصيله، ومهما ظن طالبه أنه تملا منه وتضلع. لأنه خبرة دقيقة وحاسة لطيفة، لا تدوم إلا مع بقاء الالتصاق بالعلم. وسرعان ما تفسد تلك الخبرة، وتتعطل تلك الحاسة، إذا انقطع الطالب عن العلم فترة يسيرة.

يقول في بيان ذلك عبدالرحمن بن مهدي (ت 198هـ): "إنما مثل صاحب الحديث بمنزلة السمسار، إذا غاب عن السوق خمسة أيام تغير بصرة ().

وبلسان أهل عصرنا: إنما مثل صاحب الحديث بمنزلة تاجر العملات، لا يستطيع أن يستفيد ويربح، إلا إذا كان متابعاً لأسواق العملات، دون انقطاع؛ فإذا انقطع يوماً واحداً، أصبح كالجاهل بهذا السوق تماماً، وكأنه لم يكن عليماً به يوماً من الأيام! لأنه لا يستطيع أن يشتري أو يبيع، لعدم علمه باختلاف أسعار العملات الذي يتبدل كل ساعة.

ولذلك لم يجعل الإمام أحمد (ت241هـ) لطلب الحديث زمنا ينتهي عنده، ولم يوقت له فترة يجعلها حده؛ عندما سئل: "إلى متى يكتب الرجل الحديث؟ قال: حتى يموت ().

فإن قيل: قد جاءت عبارات كثيرة في كتب العلم، تدل على ذم من لم يجمع مع الحديث فقهاً، أو على ذم إفناء العمر في جمع طرق الأحاديث وتتبع الأسانيد.

فمن الأول، قول القائل:

زوامل للأسفار لا علم عندهم****بجيدها إلا كعلم الأباعر

لعمرك ما يدري البعير إذا غدا****بأحماله أو راح ما في الغرائر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير