§ أن يكون له إسناد واحد، ففي هذه الحالة، يحمل قول الترمذي على التردد في الحكم على الحديث، فيكون الحديث حسنا أو صحيحا، فكأن الترمذي رحمه الله يحكي في هذه الحالة اختلاف الأئمة في حال راوي هذا الحديث، فمن وثق هذا الراوي، سيحكم على الحديث بأنه صحيح، ومن حكم عليه بأن صدوق، أو ما إلى ذلك، من أوصاف راوي الحسن، التي تشعر بخفة الضبط مع تمام العدالة، سيحكم على حديثه بالحسن.
§ وإما أن يكون له أكثر من إسناد، فيكون هذا الحديث حسنا باعتبار إسناد، صحيحا باعتبار إسناد آخر.
وهذا رأي الحافظ رحمه الله في النزهة، ولم يأخذ به في النكت، وإنما أخذ برأي ابن دقيق العيد رحمه الله السابق ذكره.
وهناك عدة ردود على رأي الحافظ رحمه الله، من أبرزها:
§ أن الترمذي رحمه الله مجتهد وليس ناقلا لأحكام من سبقه من أهل العلم، فإذا قلنا بأن الترمذي رحمه الله ينقل خلاف من سبقه في حال راوي الحديث، فهذا يعني أن الترمذي رحمه الله، قد خرج أحاديث مختلف في حال رواة معظمها، ولم يحكم على أحاديث كتابه كناقد مجتهد، وهذا خلاف الواقع.
§ أنه حكم على أحاديث رواتها في أعلى درجات التوثيق، بقوله: حسن صحيح، كبعض أحاديث سلسلة مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، فأي خلاف في حال رواة هذه السلسلة يحكيه الترمذي رحمه الله، وقد أجمع الأئمة على توثيقهم؟.
§ ويرد سؤال مهم في هذا الموضع، وهو: هل اختلف العلماء في حال رواة الأحاديث التي لها سند واحد فقط، حتى يقال بأن قول الترمذي رحمه الله هو حكاية لخلافهم في التحسين أو التصحيح؟ والجواب، بطبيعة الحال: لأن الواقع يظهر خلافهم في رواة أحاديث لها أكثر من إسناد.
§ والناظر إلى صنيع الترمذي رحمه الله، يجده يحكي الخلاف صريحا، إذا ما وجد، فيذكر أقوال أهل العلم في الراوي المختلف فيه، ثم يرجح بينها كإمام مجتهد في أحكامه، فلم يلجأ إلى هذه الطريقة الغامضة في حكاية الخلاف؟.
§ ويرد سؤال آخر، وهو هل الخلاف ينحصر بين الحسن والصحة فقط، أم أنه يشمل الخلاف بين الصحة والضعف، والحسن والضعف، فلم لم يقل الترمذي رحمه الله: حسن ضعيف، أو صحيح ضعيف؟.
§ ثم كيف يحمل قول الترمذي رحمه الله: حسن صحيح، على أن بعض أسانيد الحديث حسنة والأخرى صحيحة، وهو قد اشترط في الحسن الذي يورده في كتابه أن يكون له أكثر من سند، فالحسن عنده مجموع روايات، وكل رواية منها على حدة لا تستحق أن توصف بالحسن ناهيك عن الصحة؟.
¨ وهناك جواب آخر، نبه الشيخ طارق حفظه الله، إلى أن البعض نظمه وأدخله في ألفية السيوطي رحمه الله، وقد جعله الشيخ أحمد شاكر رحمه الله من أصل الألفية وهو:
§ أن الترمذي رحمه الله يعني أن هذا الحديث حسن لذاته صحيح لغيره.
§ أو أنه حسن، وفي نفس الوقت هو أصح ما في هذا الباب، فأصح هنا بمعنى أقوى وأفضل، ولا يفهم منها الصحة الإصطلاحية.
o ويرد على الرأي الأول، ما يرد على من قال بتعدد الأسانيد، فكيف إن كان للحديث إسناد واحد فقط؟.
o ويرد على الرأي الثاني، بأن الترمذي رحمه الله، يشير إلى أصح ما في الباب صراحة، بل وله اصطلاح خاص في هذه الحالة، حيث يقول رحمه الله: وهذا أصح ما في الباب، فما الذي يلجئه لهذا الأسلوب الغامض في الإشارة إلى أصح ما في الباب؟.
وجدير بالذكر أن الشيخ طارق حفظه الله، قد رد على القول القائل بأن الأبيات التي تذكر هذا القول هي من أصل الألفية بردين، وهما:
§ أن السيوطي رحمه الله لم يذكر هذا الجواب في التدريب عن أحد، ولم ينسبه لنفسه.
§ أن الشيخ عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري رحمه الله أجاب بهذا الجواب في تحفة الأحوذي شرح الترمذي، ونسبه لنفسه، ولو كان رأي السيوطي رحمه الله، لنسبه إليه
¥