تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الحمد لله، من لعن أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ـ كمعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، ونحوهما، ومن هو أفضل من هؤلاء؛ كأبي موسي الأشعري، وأبي هريرة، ونحوهما، أو من هو أفضل من هؤلاء؛ كطلحة، والزبير، وعثمان، وعلي بن أبي طالب، أو أبي بكر الصديق، وعمر، أو عائشة أم المؤمنين، وغير هؤلاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ـ فإنه مستحق للعقوبة البليغة باتفاق أئمة الدين. وتنازع العلماء: هل يعاقب بالقتل؟ أو ما دون القتل؟ كما قد بسطنا ذلك في غير هذا الموضع.

وقد ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل / أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه). واللعنة أعظم من السب، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن المؤمن كقتله)، فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم لعن المؤمن كقتله.

وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خيار المؤمنين، كما ثبت عنه أنه قال: (خير القرون القرن الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، وكل من رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به فله من الصحبة بقدر ذلك، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يغزو جيش، فيقول: هل فيكم من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون نعم. فيفتح لهم، ثم يغزو جيش؛ فيقول: هل فيكم من رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون، نعم. فيفتح لهم). وذكر الطبقة الثالثة، فعلق الحكم برؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما علقه بصحبته.

ولما كان لفظ [الصحبة] فيه عموم وخصوص، كان من اختص من الصحابة بما يتميز به عن غيره يوصف بتلك الصحبة، دون من لم يشركه فيها، قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد المتقدم لخالد بن الوليد لما اختصم هو وعبد الرحمن: (يا خالد، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، فإن عبد الرحمن بن عوف هو وأمثاله من السابقين الأولين من الذين أنفقوا قبل الفتح ـ فتح الحديبية ـ وخالد بن الوليد وغيره ممن أسلم بعد الحديبية وأنفقوا وقاتلوا دون أولئك، قال تعالي: {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10]، والمراد [بالفتح] فتح الحديبية لما بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه تحت الشجرة، وكان الذين بايعوه أكثر من ألف وأربعمائة، وهم الذين فتحوا خيبر، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة).

و [سورة الفتح] الذي فيها ذلك أنزلها الله قبل أن تفتح مكة، بل قبل أن يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد بايع أصحابه تحت الشجرة عام الحديبية سنة ست من الهجرة، وصالح المشركين صلح الحديبية المشهور، وبذلك الصلح حصل من الفتح ما لا يعلمه إلا الله، مع أنه قد كان كرهه خلق من المسلمين، ولم يعلموا ما فيه من حسن العاقبة حتي قال سهل بن حنيف: أيها الناس اتهموا الرأي، فقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أرد علي رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره لرددت. رواه البخاري وغيره، فلما كان من العام القابل اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل هو ومن اعتمر معه مكة معتمرين، وأهل مكة يومئذ مع المشركين، ولما كان في العام الثامن فتح مكة في شهر رمضان، وقد أنزل الله في سورة الفتح: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 27]، فوعدهم في سورة الفتح أن يدخلوا مكة آمنين، وأنجز موعده من / العام الثاني، وأنزل في ذلك: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: 194]، وذلك كله قبل فتح مكة. فمن توهم أن [سورة الفتح] نزلت بعد فتح مكة فقد غلط غلطًا بينًا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير