تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكان أخوه يزيد بن أبي سفيان خيرًا منه وأفضل، وهو أحد الأمراء الذين بعثهم أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ في فتح الشام، ووصاه بوصية معروفة، وأبو بكر ماشٍ، ويزيد راكب، فقال له: يا خليفة رسول الله، إما أن تركب وإما أن أنزل، فقال: لست براكب، ولست بنازل، إني أحتسب خطاي في سبيل الله. وكان عمرو بن العاص هو الأمير الآخر والثالث شرحبيل بن حسنة، والرابع خالد بن الوليد، وهو أميرهم المطلق، ثم عزله عمر، وولي أبا عبيدة عامر بن الجراح، الذي ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له أنه أمين هذه الأمة، فكان فتح الشام علي يد أبي عبيدة، وفتح العراق علي يد سعد بن أبي وقاص.

ثم لما مات يزيد بن أبي سفيان في خلافة عمر استعمل أخاه معاوية، وكان عمر بن الخطاب من أعظم الناس فراسة، وأخبرهم بالرجال، وأقومهم / بالحق، وأعلمهم به، حتي قال علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ: كنا نتحدث أن السكينة تنطق علي لسان عمر. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله ضرب الحق علي لسان عمر وقلبه)، وقال: (لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر)، وقال ابن عمر: ما سمعت عمر يقول في الشيء إني لأراه كذا وكذا إلا كان كما رآه. وقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ما رآك الشيطان سالكًا فجًا إلا سلك فجًا غير فجك). ولا استعمل عمر قط، بل ولا أبو بكر علي المسلمين: منافقًا، ولا استعملا من أقاربهما، ولا كان تأخذهما في الله لومة لائم، بل لما قاتلا أهل الردة وأعادوهم إلي الإسلام منعوهم ركوب الخيل وحمل السلاح حتي تظهر صحة توبتهم، وكان عمر يقول لسعد بن أبي وقاص ـ وهو أمير ـ العراق: لا تستعمل أحدًا منهم، ولا تشاورهم في الحرب. فإنهم كانوا أمراء أكابر؛ مثل طليحة الأسدي، والأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن، والأشعث بن قيس الكندي، وأمثالهم، فهؤلاء لما تخوف أبو بكر وعمر منهم نوع نفاق لم يولهم علي المسلمين.

فلو كان [عمرو بن العاص] و [معاوية بن أبي سفيان] وأمثالهما ممن يتخوف منهما النفاق لم يولوا علي المسلمين، بل عمرو بن العاص قد أمره النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات السلاسل، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يول علي المسلمين منافقًا، وقد استعمل علي نجران أبا سفيان بن حرب أبا معاوية، ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان / نائبه علي نجران، وقد اتفق المسلمون علي أن إسلام معاوية خير من إسلام أبيه أبي سفيان، فكيف يكون هؤلاء منافقين والنبي صلى الله عليه وسلم يأتمنهم علي أحوال المسلمين في العلم والعمل؟! وقد علم أن معاوية وعمرو بن العاص وغيرهما كان بينهم من الفتن ما كان، ولم يتهمهم أحد من أوليائهم، لا محاربوهم، ولا غير محاربيهم بالكذب علي النبي صلى الله عليه وسلم، بل جميع علماء الصحابة والتابعين بعدهم متفقون علي أن هؤلاء صادقون علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، مأمونون عليه في الرواية عنه، والمنافق غير مأمون علي النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو كاذب عليه، مكذب له.

وإذا كانوا مؤمنين، محبين لله ورسوله، فمن لعنهم فقد عصي الله ورسوله، وقد ثبت في صحيح البخاري ما معناه: أن رجلاً يلقب حمارًا، وكان يشرب الخمر، وكان كلما شرب أتي به إلي النبي صلى الله عليه وسلم، فجلده، فأتي به إليه مرة، فقال رجل: لعنه الله! ما أكثر ما يؤتي به إلي النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تلعنوه، فإنه يحب الله ورسوله). وكل مؤمن يحب الله ورسوله، ومن لم يحب الله ورسوله فليس بمؤمن، وإن كانوا متفاضلين في الإيمان وما يدخل فيه من حب وغيره، هذا مع أنه صلى الله عليه وسلم لعن الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وساقيها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها. وقد نهي عن لعنة هذا المعين؛ لأن اللعنة من [باب الوعيد] فيحكم به / عمومًا، وأما المعين فقد يرتفع عنه الوعيد لتوبة صحيحة، أو حسنات ماحية أو مصائب مكفرة، أو شفاعة مقبولة، أو غير ذلك من الأسباب التي ضررها يرفع العقوبة عن المذنب، فهذا في حق من له ذنب محقق.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير