تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكذلك [حاطب بن أبي بلتعة] فعل ما فعل وكان يسيء إلي مماليكه، حتي ثبت في الصحيح أن غلامه قال: يارسول الله، والله ليدخلن حاطب ابن أبي بلتعة النار. قال: (كذبت، إنه شهد بدرًا، والحديبية). وفي الصحيح عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسله والزبير بن العوام، وقال لهما: (ائتيا روضة خاخ، فإن بها ظعينة، ومعها كتاب) قال علي: فانطلقنا تتعادي بنا خيلنا حتي لقينا الظعينة، فقلنا: أين الكتاب؟ فقالت: ما معي كتاب. فقلنا لها: لتخرجن الكتاب، أو لنلقين الثياب، قال: فأخرجته من عقاصها، فأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كتاب من حاطب إلي بعض المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما هذا يا حاطب؟!) فقال: والله يارسول الله ما فعلت هذا ارتدادًا عن ديني، ولا رضاء بالكفر بعد الإسلام، ولكن كنت امرأ ملصقًا في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المسلمين لهم قرابات يحمون بهم أهاليهم بمكة، فأحببت إذ فاتني ذلك منهم أن أتخذ عندهم يدًا يحمون بها قرابتي. وفي لفظ: وعلمت أن ذلك لا يضرك، يعني: لأن الله ينصر رسوله والذين آمنوا. فقال عمر: دعني / أضرب عنق هذا المنافق. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك أن الله قد اطلع علي أهل بدر فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم). فهذه السيئة العظيمة غفرها الله له بشهود بدر.

فدل ذلك علي أن الحسنة العظيمة يغفر الله بها السيئة العظيمة، والمؤمنون يؤمنون بالوعد والوعيد، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) وأمثال ذلك، مع قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10].

ولهذا لا يشهد لمعين بالجنة إلا بدليل خاص، ولا يشهد علي معين بالنار إلا بدليل خاص، ولا يشهد لهم بمجرد الظن من اندراجهم في العموم؛ لأنه قد يندرج في العمومين فيستحق الثواب والعقاب؛ لقوله تعالي: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8]، والعبد إذا اجتمع له سيئات وحسنات فإنه وإن استحق العقاب علي سيئاته فإن الله يثيبه علي حسناته، ولا يحبط حسنات المؤمن لأجل ما صدر منه، وإنما يقول بحبوط الحسنات كلها بالكبيرة، الخوارج والمعتزلة، الذين يقولون بتخليد أهل الكبائر، وأنهم لا يخرجون منها بشفاعة ولا غيرها وأن صاحب الكبيرة لا يبقي معه من الإيمان شيء. وهذه أقوال فاسدة، مخالفة للكتاب، والسنة المتواترة، وإجماع الصحابة.

/وسائر أهل السنة والجماعة وأئمة الدين لا يعتقدون عصمة أحد من الصحابة ولا القرابة ولا السابقين ولا غيرهم، بل يجوز عندهم وقوع الذنوب منهم، والله تعالي يغفر لهم بالتوبة، ويرفع بها درجاتهم، ويغفر لهم بحسنات ماحية، أو بغير ذلك من الأسباب، قال تعالي: {وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الزمر: 33: 35]، وقال تعالي: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ} [الأحقاف: 15، 16].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير