ذهب جمع من أهل العلم إلى أن المقصود " بمصلاه " جميع المسجد، قال الإمام زين الدين العراقي – رحمه الله -: ": ما المراد بمصلاه؟ هل البقعة التي صلى فيها من المسجد، حتى لو انتقل إلى بقعة أخرى في المسجد لم يكن له هذا الثواب المترتب عليه، أو المراد بمصلاه جميع المسجد الذي صلى فيه؟ يحتمل كلا الأمرين والاحتمال الثاني أظهر وأرجح " [1].
قلت: سوف أبسط في ثنايا هذا البحث أقوال أهل العلم في هذه المسألة وأدلتهم الشرعية ووجه دلالاتها، وأسأل الله جل وعلا أن ينفع بهذا الكلمات وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم.
* أولاً: القول الأول: المقصود (بمصلاه) جميع المسجد واستدلوا بما يأتي:
1. ما أخرجه الطبراني في الكبير (17/ 129) من حديث أبا أمامة وعتبة بن عبد – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم: " من صلى صلاة الصبح في جماعة ثم ثبت في المسجد يسبح الله سبحة الضحى كان له كأجر حاج ومعتمر تاما له حجته وعمرته ". قال الألباني: " حسن لغيره ".
وجه الدلالة: قول النبي – صلى الله عليه وسلم – " ثم ثبت في المسجد " نص في هذا المسألة،وأن مناط الأجر يتحقق للمصلي بمجرد صلاح النية، وبمكوثه في المسجد من بعد صلاة الفجر حتى صلاة الضحى.
2. ما أخرجه البخاري في صحيحه (445) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم: " الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه ما لم يحدث اللهم اغفر له اللهم ارحمه لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة ".
وجه الدلالة: إن النبي – صلى الله عليه وسلم – رتب الأجر لمن حبس نفسه في المسجد ما دام ينتظر الصلاة، فما دام المسلم قد صرف نيته لانتظار الصلاة فيترتب عليه الثواب المذكور في أي بقعة من المسجد.
3. ما أخرجه مسلم في صحيحه (649) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: " لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة "
وجه الدلالة: الرسول – صلى الله عليه وسلم – حث أمته على انتظار الصلاة، وأن من حبسته الصلاة فهو في صلاة سواء لزم البقعة التي صلى فيها أو انتقل لأي مكان في المسجد.
4. ما أخرجه مسلم في صحيحه (251) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات قالوا بلى يا رسول الله قال إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط "
وجه الدلالة: الثواب المذكور هو لمن حبس نفسه عن التصرف في الأمور الدنيوية من بيع وشراء وشهوة مباحة رغبة في الصلاة ومن هذا قيل انتظار الصلاة رباط لأن المرابط حبس نفسه عن المكاسب والتصرف إرصاداً للعدو.
5. ما رواه ابن ماجة في سننه (180) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما توطن رجل مسلم المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله له كما يتبشبش [2]- أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم " (صحيح ابن ماجة للألباني – رحمه الله -).
وجه الدلالة: إن النبي – صلى الله عليه وسلم – رتب الأجر لمن حبس نفسه في المسجد ما دام ينتظر الصلاة، وأن الله يتبشبش للمصلي الذي يذكر الله في المسجد، دون تحديد البقعة التي صلى فيها وملازمته لها بعد صلاته.
6. ما رواه ابن ماجة في سننه (801) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – قال صلينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المغرب فرجع من رجع وعقب من عقب فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسرعا قد حفزه النفس وقد حسر عن ركبتيه فقال: " أبشروا هذا ربكم قد فتح بابا من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة يقول انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضة وهم ينتظرون أخرى ".
وجه الدلالة: إن النبي – صلى الله عليه وسلم – رتب الأجر لمن حبس نفسه في المسجد ما دام ينتظر الصلاة في المسجد.
¥