تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أصبح الإمام مالك فقيهاً وأخذ يفتي، وتعرض لكثير من السخرية لمخالفته من هم أعلم منه. قال سعيد بن أيوب: «لو أن الليث ومالك اجتمعا لكان مالك عند الليث أبكم، ولباع الليث مالكاً فيمن يريد»! (الرحمة الغيثية لابن حجر ص6). ونقل ابن عبد البر المالكي في "جامع بيان العلم وفضله" (2\ 1109) عن سلمة بن سليمان (ثقة ثبت) قال: قلت لابن المبارك (فقيه خراسان): «وضعتَ في رأي أبي حنيفة، ولم تضع في رأي مالك؟». قال: «لم أره عالماً».

بالمقابل فقد قال أتباع مالك كلاماً كثيراً فيه بلغ حد المبالغة. حيث قالوا أنه مكتوب على فخذ مالك أن مالك حجة الله! وقالوا أنه لا يدخل الخلاء إلا مرة كل ثلاثة أيام لأنه يستحي! وقالوا أنهم رأوا في المنام أخبار عن أمواتهم أنهم لما ماتوا وجاء الملكين إليهم لمحاسبتهم ظهر مالك لهما وصرفهما عن الموتى! (انظر مشارق الأنوار للعدوي ص288). وذكر البعض أنهم رأوا في المنام النبي r فقالوا له أن مالك والليث يختلفان فمن هو الأعلم؟ فقال النبي r: مالك وارث جدي إبراهيم! (مناقب مالك للزاوي ص18). وقيل أنهم سئلوا النبي r من بعدك؟ فقال: مالك!

ومالك –وإن كان ثقة في الحديث– فهو صاحب رأي، أخذه من شيخه ربيعة الرأي. وربيعة صاحب رأي مشهور به حتى صار جزءاً من اسمه. وقد تكلم أهل الحديث في مالك في هذا، مع توثيقهم لإياه في الحديث. وأهل الحديث عندما يمدحون مالكاً فإنهم غالباً يقصدون ثقته في الحديث وعلو إسناده ووثاقة رجاله. لكن أغلبهم كان يذم رأيه. وقد لخص أحمد رأيه بمالك فقال: «حديثٌ صحيح، ورأيٌ ضعيف».

إذ روى الخطيب في تاريخ بغداد (13\ 445) عن إبراهيم بن إسحاق الحربي قال سمعت أحمد بن حنبل أنه سُئل عن مالك، فقال: «حديثٌ صحيح، ورأيٌ ضعيف». فانظر لإنصاف إمام أهل الحديث في عصره، كيف فرّق بين قوة حفظ مالك وبين ضعف رأيه. وقال أحمد بن حنبل: بلغ ابن أبي ذئب أن مالكاً لم يأخذ بحديث "البيعان بالخيار". فقال: «يُستتاب. فإن تاب، وإلا ضربت عنقه». ثم قال أحمد: «هو أورع وأقوَلُ بالحق من مالك». أي أن أحمد موافق لفتوى ابن أبي ذئب في استتابة مالك.

وروى حيان بن موسى المروزي قال: سُئِلَ ابن المبارك: مالك أفقه أو أبو حنيفة؟ قال: «أبو حنيفة (أفقه من مالك)». وفي تاريخ بغداد (13\ 343) عن محمد بن مقاتل (أبو الحسن الكسائي، ثقة متقن) قال: سمعت ابن المبارك قال: «إن كان الأثر قد عُرِفَ واحتيج إلى الرأي، فرأي: مالك وسفيان وأبي حنيفة. وأبو حنيفة: أحسنهم وأدَقّهم فِطنةً وأغوصهم على الفقه. وهو أفقه الثلاثة».

وابن المبارك من كبار أئمة الإسلام. قال عنه ابن حجر: «ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد، جمعت فيه خصال الخير». و قال عن ابن حبان: «كان فيه خصال لم تجتمع في أحد من أهل العلم في زمانه في الأرض كلها». و قال ابن عيينة: «نظرت في أمر الصحابة، فما رأيت لهم فضلاً على ابن المبارك، إلا بصحبتهم النبي r و غزوهم معه». بل إن مالك نفسه كان يعظمه ويقول عنه: «فقيه خراسان». وقد صاحب ابن المبارك هؤلاء الثلاثة.

ونقل ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله" (2\ 1109) عن سلمة بن سليمان قال: قلت لابن المبارك: «وضعتَ من رأي أبي حنيفة، ولم تضع من رأي مالك؟». قال: «لم أره عالماً». ونقل (2\ 1105) عن المروزي قال: «وكذلك كان كلام مالك في محمد بن إسحاق، لشيءٍ بلَغَه عنه تكلّم به في نَسَبه وعِلْمه». ونقل (2\ 1080) عن الليث بن سعد أنه قال: «أحصيتُ على مالك بن أنس سبعينَ مسألة، كلها مخالفة لسُنة رسول الله r مما قال فيها برأيه. ولقد كتبت إليه أعِظهُ في ذلك». وسيأتي بيان فضل الليث على مالك في الفقه، كما نص الشافعي وغيره، وأقر ذلك بعض كبار تلاميذ مالك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير