تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال ابن عبد البر (2\ 1115): «وقد تكلّم ابن أبي ذئب في مالك بن أنس بكلامٍ فيه جفاء وخشونة، كرهتُ ذِكره، وهو مشهورٌ عنه. قاله إنكاراً لقول مالك في حديث البيِّعين بالخيار ... ، وتكلم في مالك أيضاً -فيما ذكره الساجي في كتاب "العلل": عبد العزيز بن أبي سلمة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وابن إسحاق (إمام المغازي)، وابن أبي يحيى، وابن أبي الزناد، وعابوا عليه أشياء من مذهبه. وتكلم فيه غيرهم لتركه الرواية عن سعد بن إبراهيم، وروايته عن داود بن الحصين وثور بن زيد. وتحامل (!) عليه الشافعي وبعض أصحاب أبي حنيفة في شيء من رأيه حسَداً (!) لموضع إمامته. وعابَهُ قوم في إنكاره المسح على الخفَّين في الحضر والسفر، وفي كلامه في علي وعثمان، وفتياه إتيان النساء من الأعجاز (أي في أدبارهن)، وفي قعوده عن مشاهدة الجماعة في مسجد رسول الله r. ونسبوه بذلك إلى ما لا يحسن ذِكره».

وابن عبد البر مالكي المذهب، لم يسرد هذه الأقوال ليطعن بالإمام مالك –وحاشاه–. إنما ذكرها ليُبَيِّنَ أن مالكاً قد طعن به أهل الحديث بسبب كراهيتهم للرأي. ولكن مالك شفع له عندهم أنه كان ثبتاً في الحديث، وما استطاعوا الاستغناء عن حديثه. فكان غالب كلامهم على أبي حنيفة الذي لم يكن عنده كثير الحديث، وما كان يعتني بألفاظه. فشاع عند بعض المتأخرين أن أبا حنيفة وحده كان صاحب رأي، والصواب أن مالكاً كذلك. إلا أن الشذوذ في مذهب مالك أقل، لاعتماده –في الغالب– على عمل أهل المدينة. علماً بأن العلامة ابن عابدين الحنفي ذكر في حاشيته "رد المحتار على الدر المختار" أن أقرب المذاهب لمذهب الإمام أبي حنيفة هو مذهب الإمام مالك. والسبب أن كلاهما من أصحاب الرأي.

ثم ليس المقصود بأن مالك هو أحفظ الناس. وإنما كان ثقة ثبتاً، لكنه أخطأ في عدة أحاديث. حتى أن سفيان الثوري يقول (كما في تاريخ بغداد 10\ 164): «مالك ليس له حفظ»، ويقصد مقارنة بأئمة أهل الحديث الكبار. ويُرى عن يحيى بن معين قوله: «سفيان أحب إليّ من مالك في كلّ شيء». وقد رويت هذه المقولة عن يحيى بن سعيد، كما في سير أعلام النبلاء (8\ 75) أنه قال: «مالك كان إماماً في الحديث. وسفيان الثوري فوقه في كل شيء».

قال الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (1\ 223): «قد ذكر بعض العلماء أن مالكاً عابه جماعة من أهل العلم في زمانه، بإطلاق لسانه في قوم معروفين بالصلاح والديانة والثقة والأمانة»، ثم ذكر أمثلة على ذلك. ثم ذكر ممن عابه: ابن أبي ذؤيب، وعبد العزيز الماجشون، وابن أبي حازم، ومحمد بن إسحاق. كما قد تكلّم في مالك: إبراهيم بن سعد، وكان يدعو عليه. وناظره عمر بن قيس –في شيء من أمر الحج بحضرة هارون– فقال عمر لمالك: «أنت أحياناً تخطئ، وأحياناً لا تصيب». فقال مالك: «كذاك الناس».

وقد طعن مالك في إمام المغازي محمد بن إسحاق، واتهمه بأنه دجال من الدجاجلة، لمجرد أنه تكلم في نسبه. مع أن هذا الأمر قد اختلف فيه اختلافاً كبيراً. جاء في سير أعلام النبلاء (8\ 71): «قال القاضي عياض (مالكي المذهب): أختلف في نسب "ذي أصبح" اختلافاً كثيراً. وروي عن ابن إسحاق أنه زعم أن مالكا وآله موالي بني تيم، فأخطأ. وكان ذلك أقوى سبب في تكذيب الإمام مالك له وطعنه عليه».

وفي تهذيب التهذيب (3\ 403): قال الساجي: ويُقال إن سعداً (يقصد قاضي المدينة الثقة الثبت الإمام سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف) وعَظَ مالكاً فوجد عليه، فلم يروِ عنه. حدثني أحمد بن محمد سمعت أحمد بن حنبل يقول: «سعدٌ ثقة». فقيل له: «إن مالكاً لا يحدِّث عنه». فقال: «من يلتفت إلى هذا؟ سعد ثقة، رجل صالح». حدثنا أحمد بن محمد سمعت المعيطي يقول لابن معين: «كان مالك يتكلم في سعد، سيّد من سادات قريش. و يروي عن ثور و داود بن الحصين، خارجيّين خبيثين!» ... وقال أحمد بن البرقي: سألت يحيى عن قول بعض الناس في سعد أنه كان يرى القدر وترك مالك الرواية عنه. فقال: «لم يكن يرى القدر، وإنما ترك مالك الرواية عنه لأنه تكلم في نسب مالك، فكان مالك لا يروي عنه. وهو (أي سعد) ثَبْتٌ لا شك فيه». انتهى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير