6 - وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْكَذَّابِ هُنَا الْمُخْتَار بْن أَبِي عُبَيْد , وَبِالْمُبِيرِ الْحَجَّاج بْن يُوسُف. وَاَللَّه أَعْلَم.ا. هـ.
الحَجَّاجُ بنُ يُوْسُفَ الثَّقَفِيُّ عذابُ اللهِ:
قال عنه الحسن البصري: إن الحجاجَ عذابُ اللهِ، فلا تدفعوا عذابَ اللهِ بأيديكم، و لكن عليكم بالاستكانةِ والتضرعِ، فإنه تعالى يقول: " وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ " [المؤمنون:76].
الطبقات لابن سعد (7/ 164) بإسناد صحيح.
وبعد هذه النصوصِ في بيانِ بطشِ الحجاجِ وجبروتهِ، سؤالٌ يطرحُ:
هل كلُ ما قيل عن الحجاجِ صحيحٌ؟ أم أن فيهِ بعضُ التحاملِ على الرجلِ مما بالغت فيه بعضُ الطوائفِ والفرقِ؟
يجيبُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ - وهو من هو في التاريخِ؟؟ ويكفيك كتاب " البدايةِ والنهايةِ " لتعلمَ مدى معرفة الرجلِ بالتاريخِ - فيقول: وقد تقدم الحديث: " إن في ثقيف كذاباً ومبيراً " وكان المختار هو الكذاب المذكور في هذا الحديث، وقد كان يظهر الرفض أولاً ويبطن الكفر المحض، وأما المبير فهو الحجاج بن يوسف هذا، وقد كان ناصبياً يبغض علياً وشيعته في هوى آل مروان بني أمية، وكان جباراً عنيداً، مقداماً على سفك الدماء بأدنى شبهة.
وقد روي عنه ألفاظ بشعة شنيعة ظاهرها الكفر كما قدمنا، فإن كان قد تاب منها وأقلع عنها، وإلا فهو باق في عهدتها، ولكن قد يخشى أنها رويت عنه بنوع من زيادة عليه، فإن الشيعة كانوا يبغضونه جداً لوجوه، وربما حرفوا عليه بعض الكلم، وزادوا فيما يحكونه عنه بشاعات وشناعات.
وقد روينا عنه أنه كان يتدين بترك المسكر، وكان يكثر تلاوة القرآن، ويتجنب المحارم ولم يشتهر عنه شيء من التلطخ بالفروج، وإن كان متسرعاً في سفك الدماء، فالله تعالى أعلم بالصواب وحقائق الأمور وساترها، وخفيات الصدور وضمائرها.
قلت: الحجاج أعظم ما نقم عليه وصح من أفعاله سفك الدماء، وكفى به عقوبة عند الله عز وجل، وقد كان حريصاً على الجهاد وفتح البلاد، وكان فيه سماحة بإعطاء المال لأهل القرآن، فكان يعطي على القرآن كثيراً، ولما مات لم يترك فيما قيل إلا ثلثمائة درهم، والله أعلم.ا. هـ.
وأترككم مع كلامٍ كتبهُ الأخ الفاضلُ أبو عبد الله الذهبي عن الحجاجِ بنِ يوسف في جوابٍ عن الحجاجِ:
إن من أكثر الشخصيات التي لم تنل حقها في البحث والدراسة شخصية الحجاج بن يوسف الثقفي .. لقد كان لهذه الشخصية المكان والمرتع الخصب لأصحاب الشهوات و أهل الأهواء للطعن في العصر الأموي بوصفه عصر سفك للدماء و تسلط للأمراء ..
و لقد كان لشخص الحجاج النصيب الأوفر من هذه التهم ..
فالحجاج كان ضحية المؤرخين الذين افتروا عليه شتى المفتريات تمشياً مع روح العصر الذي يكتبون فيه؛ ونرى أننا كلما بعدنا عن عصر الحجاج كثرت المفتريات والأباطيل ..
و من الإنصاف أن يسجل المؤرخ لمن يؤرخ له ما أصاب فيه بمثل ما يسجل عليه ما أخطأ فيه .. واضعاً قول الله تعالى {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى} نصب عينيه.
فإن الحجاج قد شوهت صورته و نسجت حولها الخرافات بشكل يجعلها أقرب إلى الأسطورة من الحقيقة ..
نعم كان الحجاج كما قال عنه الحسن البصري: إن الحجاج عذاب الله، فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم، و لكن عليكم بالاستكانة والتضرع، فإنه تعالى يقول {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون} [المؤمنون /76]. الطبقات لابن سعد (7/ 164) بإسناد صحيح.
فالحجاج كان من الولاة الذين اشتهروا بالظلم والقسوة في المعاملة، و هي شدة كان للظروف التي تولى فيها هي السبب الرئيسي في أن يكون بهذه الصفة ..
فثورات الخوارج المتتالية والتي أنهكت الدولة الأموية .. و الفتن الداخلية .. كان للحجاج الفضل بعد الله في القضاء عليها، و هذه لا ينكرها أحد حتى الأعداء .. و لا ننسى ثورة ابن الأشعث التي كادت أن تلغي و تقضي على الخلافة الإسلامية ..
¥