وفي رواية: أنه لما أراد قتله قال: وجهوه إلى قبلة النصارى، فقال: " فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ " فقال: اجلدوا به الأرض، فقال: " مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى " [طه: 55] فقال: اذبح فما أنزعه لآيات الله منذ اليوم. فقال: اللهم لا تسلطه على أحد بعدي.
وقد ذكر أبو نعيم هنا كلاماً كثيراً في مقتل سعيد ابن جبير أحسنه هذا، والله أعلم.
وقد ذكرنا صفة مقتله إياه، وقد رويت آثار غريبة في صفة مقتله، أكثرها لا يصح.ا. هـ.
والنكارةُ في القصةِ واضحةٌ جداً، ومن أوجهِ النكارةِ فيها:
1 - قولِ عَوْنِ بنِ أَبِي شَدَّادٍ: بَلَغَنِي. فمن الذي أبلغهُ؟ فالواسطةُ مجهولةٌ.
2 - قصةٌ اللَّبْوَةِ وَالأَسَدِ، فأين الأخذُ بالأسبابِ؟
وقد جاء في ترجمةِ سعيدِ بنِ جبير أنهُ تنقل بين البلادِ فراراً من بطشِ الحجاجِ حتى قال: وَاللهِ لَقَدْ فَرَرْتُ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنَ اللهِ.
قال الإمامُ الذهبي في " السير " (4/ 338) معلقاً على كلامِ سعيدِ بنِ جبير: " قُلْتُ: طَالَ اخْتِفَاؤُهُ، فَإِنَّ قِيَامَ القُرَّاءِ عَلَى الحَجَّاجِ كَانَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ، وَمَا ظَفِرُوا بِسَعِيْدٍ إِلَى سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ؛ السَّنَةِ الَّتِي قَلَعَ اللهُ فِيْهَا الحَجَّاجَ.ا. هـ.
فهل يُعقلُ أن يفرَ سعيدُ بنُ جبير ثلاثَ سنواتٍ من الحجاجِ ويأخذُ بالأسبابِ ثم يأتي على أمرٍ ذكر في القصةِ ولا يفعلهُ؟ هذا أمرٌ مستبعدٌ جداً.
3 - سؤالُ الحجاجِ لسعيدِ بن جبير عن الخليفةِ الرابعِ على بنِ أبي طالب رضي اللهُ عنه عندما قال له: فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ، فِي الجَنَّةِ هُوَ أَمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: لَوْ دَخَلْتُهَا، فَرَأَيْتُ أَهْلَهَا، عَرَفْتُ.
يلتمسُ منهُ إثباتُ تهمةِ الحجاجِ بأنهُ ناصبي، وهذا أمرٌ قد يكونُ من فعلِ الرافضةِ، وقد رد الإمامُ ابنُ كثيرٍ هذه الفريةِ عن الحجاجِ في " البداية والنهاية " كما تقدم في عنوان: " الحجاجُ عذابُ اللهِ ". فليرجع إليهِ.
4 - تقديمُ العودِ والناي بين يدي سعيدِ بنِ جبير.
وأكنفي بهذه الأوجه.
هل يُلعنُ الحجاج بن يوسف:
قد يقومُ بعضُ الناسِ بلعنِ الحجاجِ بنِ يوسف كلما ورد اسمهُ عليه، فهل هذا الفعلُ من الشرعِ في شيءٍ؟
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ: فَلِهَذَا كَانَ أَهْل الْعِلْمِ يَخْتَارُونَ فِيمَنْ عُرِفَ بِالظُّلْمِ وَنَحْوِهِ مَعَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ لَهُ أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ فِي الظَّاهِرِ - كَالْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ وَأَمْثَالِهِ - أَنَّهُمْ لَا يَلْعَنُونَ أَحَدًا مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ؛ بَلْ يَقُولُونَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ " فَيَلْعَنُونَ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَامًّا. كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَبَائِعَهَا وَمُشْتَرِيهَا وَسَاقِيَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ وَآكِلَ ثَمَنِهَا " وَلَا يَلْعَنُونَ الْمُعَيَّنَ.
كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ: " أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُدْعَى حِمَارًا وَكَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِدُهُ. فَأُتِيَ بِهِ مَرَّةً. فَلَعَنَهُ رَجُلٌ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَلْعَنْهُ. فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ".
وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّعْنَةَ مِنْ بَابِ الْوَعِيدِ وَالْوَعِيدُ الْعَامُّ لَا يُقْطَعُ بِهِ لِلشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ لِأَحَدِ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ: مِنْ تَوْبَةٍ أَوْ حَسَنَاتٍ مَاحِيَةٍ أَوْ مَصَائِبَ مُكَفِّرَةٍ أَوْ شَفَاعَةٍ مَقْبُولَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.ا. هـ.
فتاوى أهلِ العلمِ في الحجاجِ بنِ يوسف:
السؤال
بعض الناس عندما يتعرض لسيرة الحجاج يسبة ويلعنه، فهل ذلك يصح، علما بأنه كانت له بعض فتوحات إسلامية لأراضٍ غير إسلامية، وهل هو يعتبر من الفئة الباغية؟
الفتوى
¥