وقال فيهم شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: أجمع المسلمون على أنهم أكفر من اليهود والنصارى، هذا حكم طائفتهم على صفة العموم.
وأما الحكم على أعيانهم فيفرق بين عامتهم، وبين خاصتهم؛ فأئمتهم كفار بأعيانهم، وكذا كل من عُلم منه أنه عارف بأسرار المذهب الباطني، ويَدين به فإنه كافر، ولكن المذهب الباطني يقوم على النفاق؛ فأئمة الباطنية زنادقة ـ أي: ملاحدة منافقون ـ أذلهم الله بعز الإسلام، والمسلمين، وفضحهم الله، وكشف أسرارهم، وكفانا الله شرهم، وطهر مجتمعات المسلمين منهم، والله أعلم.
فضيلة الشيخ:
18 - هل من يقول إني حين أطوف في القبور لا أقصد دعاء الميت ولكني أقصد بركه المكان لأنه أحتوى على ذلك الجسد الطاهر مثل قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، هل هذا له صارف عن وصفه بالشرك؟
الحمد لله، الشرك ضد، والتوحيد هو عبادة الله وحده لا شريك له، والشرك هو عبادة غير الله مع الله فمن ذبح لغير الله تقربا إليه، أو طاف بقبره يتقرب إليه، أو أي عبادة من العبادات يتوجه بها إلى حي، أو ميت؛ كان مشركا لأن عمله ذلك هو الشرك الأكبر الذي لا يغفر، ويوجب خلود صاحبه في النار إذا مات على ذلك.
وهذا الذي يطوف بقبر الولي، أو من يظن أنه ولي، ويدعي أنه لا يريد التقرب إليه لكن يعتقد أن الطواف به سبب لحصول ما جعله الله في ذلك العبد الصالح من البركة؛ مَن يفعل ذلك بهذا الاعتقاد؛ فهو مبتدع ضال، وليس بمشرك، لأنه بزعمه يقصد بهذا الطواف التقرب إلى الله لتحصل له البركة التي يظنها في قبر هذا الميت.
وهذه البدعة بدعة الطواف بالقبور من أشنع البدع، وأقبحها؛ لأن الطواف عبادة لم يشرعها الله إلا حول بيته العتيق، فالطائف بالقبر قد شبه بيت الميت ببيت الحي الذي لا يموت قال تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (125) سورة البقرة، وقال تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (29) سورة الحج.
وهذا الذي يزعم أنه لا يريد بهذا الطواف التقرب إلى صاحب القبر لا يبعد أن يكون كاذبا، ومخادعا لمن ينكر عليه.
وعلى هذا فإن كان صادقا فيما زعمه؛ ففعله ذلك بدعة، وضلالة، ووسيلة من أقرب الوسائل المفضية إلى الشرك، وقد تُعرف حقيقة الأمر بالقرائن الدالة على صدق، أو كذب هذا القبوري الضال، فأمره دائر بين الشرك الأكبر، أو البدعة الكبرى، نعوذ بالله من الخذلان، واستحواذ الشيطان، ونسأل الله العافية من شرك المشركين، وبدع المبتدعين، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
19 - لو مسحت على موضع قدم إبراهيم للبركة هل هذا جائز؟
الحمد لله، قال الله تعالى {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ} [(96) و (97) سورة آل عمران]، ولا شك أن ذلك البيت الذي هو المسجد الحرام، والكعبة، ومقام إبراهيم سواء أريد به الحجر الذي كان يقوم عليه، أو أريد به عموم المسجد كما قال تعالى {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [(125) سورة البقرة]، كلها مباركة لأن الله اختارها، وفضلها على سائر البقاع، والبيوت.
والبركة التي في هذه المواضع إنما تحصل آثارها للعباد بفعل ما شرع الله فيها: من الطواف بالبيت، والاعتكاف في المسجد، والصلاة فيه كما قال تعالى {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [(125) سورة البقرة]، ولم يشرع الله مسح شيء من الكعبة إلا الركنين اليمانيين فالحجر الأسود يشرع تقبيله، واستلامه، والركن اليماني يشرع استلامه باليد عملا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يكن يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين، وقد قال عمر رضي الله عنه ـ عندما أراد أن يستلم الحجر الأسود ـ: والله إني أعلم أنك حجر لا تضر، ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك.
¥