تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد يقال بأولوية المسح على الخف السليم الخالي من الخروق خروجاً من الخلاف ولاسيما لأهل القدرة والذين لا يشق عليهم ذلك فإن مسحوا على المخرق والمعيب صح بدون كراهة على الصحيح.

وأما جعل الخف غير المخرق شرطاً لصحة المسح فلا دليل عليه فقد رخص النبي – صلى الله عليه وسلم – في المسح على الخفين والجوارب وأطلق ولم يقيد المسح على الخف أو الجورب بقيود وإطلاق ما أطلق الشارع أمر متعين فإذا جاء القيد عن الشارع ولم يكن أغلبياً وجب اعتباره وهو منتف هنا وأما كوننا نقيد كلام النبي – صلى الله عليه وسلم – بكلام بعض الفقهاء الذين هم بشر يخطئون ويصيبون فهذا أمرٌ لا يجوز فلذلك.

لا يمنع المسلم ولا المسلمة من المسح على الخف أو الجورب المخرق ما دام اسمه باقياً ولو كان فيه من العيوب ما فيه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في الفتاوى

(21/ 174) " فلما أطلق الرسول –صلى الله عليه وسلم – الأمر بالمسح على الخفاف مع علمه بما هي عليه في العادة ولم يشترط أن تكون سليمة من العيوب وجب حمل أمره على الإطلاق ولم يجز أن يقيد كلامه إلا بدليل شرعي وكان مقتضى لفظه أن كل خف يلبسه الناس ويمشون فيه فلهم أن يمسحوا عليه وإن كان مفتوقاً أو مخروقاً من غير تحديد لمقدار ذلك فإن التحديد لا بد له من دليل " وقال أيضاً رحمه الله 0 " وأيضاً فأصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – الذين بلغوا سنته وعملوا بها لم ينقل عن أحد منهم تقييد الخف بشيء من القيود بل أطلقوا المسح على الخفين مع علمهم بالخفاق وأحوالها فعلم أنهم كانوا قد فهموا عن نبيهم جواز المسح على الخفين مطلقاً.

المسألة الرابعة:

لم يرد حديث تقوم به حجة في كيفية المسح على أعلى الخفين فلذلك يكفي المسلم والمسلمة إمرار اليد على القدم اليمنى واليسرى بحيث يصدق عليه أنه مسح ([14] [14]) كما هو قول الشافعي وأبي ثور وغيرهما ([15] [15]) ويقتصر بالمسح على أعلى الخف، أما مسح أسفل الخف فلم يثبت فيه دليل. والحديث الوارد في ذلك معلول عند الأئمة الكبار ([16] [16]) فلا يصح العمل به وقد روى أبو داود وغيره بسند صحيح من طريق الأعمش عن أبي اسحاق عن عبد خير عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – قال: " لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم يسمح على ظاهر خفيه ".

المسألة الخامسة:

اختلف العلماء – رحمهم الله تعالى – في حكم الطهارة بعد نزع الخفين أو الجوربين بعد المسح عليهما هل يبقى على وضوئه أم تنتقض طهارته فيكون نزع الخفين ناقضاً من النواقض أم أنه يغسل قدميه إذا نزع خفيه كما قال بذلك بعض الفقهاء.

أصح هذه الأقوال فيما يظهر من حيث الدليل أن طهارته باقية دون حاجة إلى غسل القدمين ونُقل هذا القول عن جماعة من أهل العلم منهم الحسن البصري والنخعي وقتادة وعطاء وغيرهم واختاره ابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية ([17] [17]) وبعضهم قاس ذلك على من مسح رأسه ثم حلقه فإنه لا يجب عليه أن يعيد مسح رأسه. وهذا القياس ضعيف فلا ينظر إليه لأن الشعر أصل في الرأس وليس بدلاً وأما المسح على الخفين فإنه بدل عن غسل القدمين فلا يقاس ما كان أصلاً على ما كان بدلاً.

وقلت إن هذا القول هو الصحيح لأنه مذهب الخليفة الراشد علي بن أبي طالب – رضي الله عنه - ولم يخالفه في ذلك أحد من الصحابة فيما أعلم فنستغني به عن القياس الذي لم تتوفر شروطه وتنتف موانعه.

وقد روى البيهقي ([18] [18]) والطحاوي ([19] [19]) في شرح معاني الآثار واللفظ له " عن أبي ظبيان أنه رأى عليا رضي الله عنه – بال قائماً ثم دعا بماء فتوضأ ومسح على نعليه ثم دخل المسجد فخلع نعليه ثم صلى " وهذا أثر صحيح.

وقوله " بال قائماً " فيه رد على قول من قال إن علياً توضأ على طهارة وفيه محل الشاهد أنه لا ينتقض وضوء الماسح على الخف أو الجورب وكذلك العمامة بالنزع.

فإن قيل أيعيدهما أعني الخفين أو الجوربين مرة أخرى ويبتدئ مدة المسح من جديد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير