تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإذا ثبت أن الحسن عند المتقدمين عام وشامل بحيث يطلق على الحديث الصحيح، والحديث المقبول فإن إطلاقهم جمعاً بين لفظي الحسن والصحيح لم يكن إلا لإفادة التأكيد لمعنى القبول والاحتجاج، وليس فيه ما يثير الإشكالية لا لغوياً ولا فنياً، إلا على منهج المتأخرين الذي يقضي بانفصالهما كنوعين مستقلين لا يصح الجمع بينهما وهذا ما أيده د/ عادل عبد الغفور حفظه الله في تفسير مصطلح الترمذي "حسن صحيح". وهذا ما يؤكد ضرورة دراسة منهج المتقدمين دراسة دقيقة دون الاعتماد على اتحاد الألفاظ بين المتقدمين والمتأخرين ومن أهم الأمثلة على هذا الأمر ما ذكره د/ ماهر ياسين الفحل حفظه الله عن الدلالة المعنوية للفظ الصدوق عند المتقدمين والمتأخرين بقوله في بحثه فرائد الفوائد:

الدلالة المعنوية للصدق تختلف ما بين المتقدمين والمتأخرين، فعلى حين كان ذا دلالة راجعة إلى العدالة فقط في مفهوم المتقدمين، ولا تشمل الحفظ بحال من الأحوال؛ لذا كان أبو حاتم الرازي كثيراً ما يقول: ضعيف الحديث، أو: مضطرب الحديث ومحله عندي الصدق. فقد أصبح ذا دلالة تكاد تختص بالضبط عند المتأخرين، ولذا جعلوا لفظة صدوق من بين ألفاظ التعديل.

ومن الجدير بالذكر أن الإمام الترمذي حين يحكي عن بعض النقاد تصحيحه كان يقول: "قال فلان هذا حديث حسن صحيح " أو "هذا أحسن وأصح"، دون أن يلفظ ذلك الناقد بهذه الكلمة. ومن أهم الأمثلة على ذلك:

¨ حكى الإمام الترمذي عن الإمامين: أحمد والبخاري تصحيحهما حديث المستحاضة الذي روته حمنة بنت جحش: بقوله: "حسن صحيح". دون أن يرد هذا اللفظ عنهما (سنن الترمذي، أبواب الطهارة، باب ما جاء في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد 1/ 226). وأما لفظهما فكما ورد في علل الترمذي: " قال محمد (يعني البخاري): حديث حمنة بنت جحش في المستحاضة هو حديث حسن، إلا أن إبراهيم بن محمد بن طلحة هو قديم، لا أدري سمع منه عبد الله بن محمد بن عقيل أم لا، وكان أحمد بن حنبل يقول: "هو حديث صحيح". (العلل الكبير ص58، تحقيق السامرائي، ط1، 1409هـ، عالم الكتب، وسنن البيهقي 1/ 339). وفي أثناء المقارنة بين السياقين يبدو واضحاً أن ما تضمنه السياق الثاني هو لفظ البخاري وأحمد، بخلاف ما ورد في السياق الأول، فإنه ورد مختصراً، اختصره الترمذي بأسلوبه المعروف في التعبير في التصحيح.

¨ ومثال آخر: يحكي فيه الترمذي عن البخاري تصحيح حديث "البحر هو الطهور ماؤه": بقوله: "حسن صحيح". (شرح العلل 1/ 342). وفي الوقت ذاته قال الترمذي: سألت محمداً عن حديث مالك عن صفوان بن سليم في حدث "البحر هو الطهور ماؤه" فقال: "هو حديث صحيح" (العلل الكبير للترمذي ص41، وكذا في التمهيد لابن عبد البر 16/ 218). وقال الحافظ ابن حجر في هذا الحديث: "صحح البخاري – فيما حكاه عنه الترمذي في العلل المفرد – حديثه، وكذا صححه ابن خزيمة وابن حبان وغير واحد" (التهذيب 4/ 42). وهذا كله يدل على توسعهم في إطلاق الألفاظ والمصطلحات، وأن الترمذي يقصد بقوله حسن صحيح ما يقصده غيره بقوله: صحيح" لا غير. والله أعلم.

6. غريب: وهذا المصطلح يذكره الترمذي في الحكم على الأحاديث الضعيفة وقد يطلق ألفاظا أخرى للحكم على الحديث بما يدل على ضعفه مثل قوله: (اسناده ليس بذاك القائم). ومن الأمثلة التي استخدم فيها الترمذي لفظ الغريب، حديث الدعاء عند أذان المغرب: (اللهم هذا إقبال ليلك، وإدبار نهارك ……الحديث) حيث أخرجه الترمذي وغيره من طريق أبي كثير مولى أم سلمة عنها، وقال الترمذي: (حديث غريب، وأبو كثير لا نعرفه).

وختاما فإن جامع الترمذي من مظنات الحسن ولكن ينبغي التنبه إلى أن نسخه تختلف في قوله "حسن صحيح" ونحوه فعلى طالب الحديث العناية باختيار النسخة المحققة والمقابلة على أصول معتمدة. ومن أمثلة هذا الاختلاف: حديث عمران بن حصين الضعيف الشاذ في تشهد الرسول صلى الله عليه وسلم بعد سجدتي السهو فقد قال عنه الترمذي: "حديث حسن غريب" وفي بعض النسخ زيادة: "صحيح". (القول المبين في أخطاء المصلين ص146 الشيخ مشهور حسن سلمان). وفي نهاية الكلام على جامع الترمذي، لابد من التنبيه على إيراد الترمذي لبعض المنكرات والموضوعات وخاصة في الفضائل، وهو ما أكد عليه الحافظ الذهبي في ترجمة الترمذي في سير أعلام النبلاء، فقال: (في الجامع علم نافع وفوائد غزيرة ورؤوس مسائل وهو أحد رؤوس الإسلام لولا ما كدره بأحاديث واهية بعضها موضوع وكثير منها في الفضائل)، وأكد في موضع آخر على أن درجة الجامع تنحط عن درجة سنن النسائي وأبي داود لأن الترمذي خرج لبعض الهلكى كمحمد بن السائب الكلبي ومحمد بن سعيد المصلوب، ورغم هذا يبقى جامع الترمذي رحمه الله من أجل كتب السنة، وقد كان أبوالحسن المقدسي ينصح طلبة العلم بالبدء به قبل البخاري ومسلم لسهولته.

الثلاثيات في جامع الترمذي:

في جامع الترمذي حديث ثلاثي واحد، وهو ما أخرجه من طريق اسماعيل بن موسى الفزاري عن عمر بن شاكر عن أنس رضي الله عنه مرفوعا: يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر، وقد أشار الشيخ الحميد حفظه الله إلى أن هذا الحديث لا يصح، وعلته عمر بن شاكر، ونبه حفظه الله، إلى نزول أسانيد الترمذي، وربما كان ذلك لتأخره في طلب العلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير