أن أبا بكرة رضي الله عنه صحابي فقيه كما وصفه الذهبي رحمه الله تعالى وغيره، وإذا كان كذلك فعلى فرض صحة الخبر فإن عدم رجوعه عن القذف جاء لرؤيته أنه شاهد وليس بقاذف إذ أن القذف لا يصدق وصفا له إلا إذا تم النصاب أربعة فلما لم يتم كان شاهدا ولذلك لم يرجع عن شهادته وهذا رأيه كما قال الذهبي رحمه الله تعالى في السير وفي صريح قول أبي بكرة نفسه في إحدى طرق الحديث والفاسق بالتأويل لا يترك حديثه عند غالب الأئمة.
الجهة السابعة:
أن الطاعن في أبي بكرة رضي الله عنه سيلزمه أيضا الطعن في المغيرة بن شعبة رضي الله عنه لأن الحديث – إن صح - غايته أن المغيرة ما ضبط متلبسا بجماع الفرج وفقط بل الرابع وهو زياد بن أبيه لما شهد قال: رأيته رجلا بين رجلي امرأة وإستين ونفسا شديدا فلما سئل أرأيته كما يكون الميل في المكحلة؟ فقال: لا.
فغايته أنه نفى عن المغيرة رضي الله عنه زنا الفرج وفقط وما نفى أنه – وحاشاه ألم بالمرأة لهذه الدرجة القبيحة – وهذا يقتضي الطعن في المغيرة أيضا، بل وكان يقتضي أن يؤدبه عمر رضي الله عنه وليس الظن بعمر أنه يترك من يفعل هذا بلا تأديب.
فلو فتحنا الباب للطعن في أبي بكرة والمغيرة وهلم جرا لكان باطل من القول وفساد كبير.
الجهة الثامنة:
أن مذهب أهل السنة والجماعة رضي الله عنهم هو الكف عما شجر بين الصحابة وليس المقصود بهذا الأصل ما حدث بين علي رضي الله عنه ومعاوية رضي الله عنه وفقط بل الكف عما شجر بين جميع الصحابة على اختلاف درجاتهم في الأفضلية وتفاوت نسب ما شجر بينهم.
وهنا – بفرض الصحة - يتهم أبو بكرة رضي الله عنه المغيرة بإثم شديد ويرد المغيرة وتقوم البينة على أبي بكرة فيكون منه الجلد لأبي بكرة رضي الله عنه ثم يصر أبو بكرة رضي الله عنه على رأيه بل ويظل عليه ويحلف كما في بعض طرق الحديث أن لا يكلم زيادا حتى يموت ويوفي بنذره.
فهذا قطعا مما شجر بينهم وكلهم عدول فوجب الكف والسكوت، وإلا فيلزم من رجح كفة علي رضي الله عنه الطعن في معاوية رضي الله عنه ومن كان معه من الصحابة، والعكس بالعكس فيكون من الفساد ما الله به عليم، وإذا كان الكف واجب فيما شجر بين علي ومعاوية وكان بينهم دماء فالكف عن ما حدث بين أبي بكرة والمغيرة – هذا إن صح - أولى.
ومما استدل به الشيخ غفر الله له في الطعن على الحديث:
أن الواقع يكذب الحديث فقد رؤي أن هناك نساءا كثيرة؟ قد تولت الرئاسة العظمي ونجحت في ذلك وأفلح قومها مثل أنديرا غاندي، ومارجريت تاتشر وبلقيس.
وهذا خطا لا يصح الإستدلال به لأمور:
الأول: أن هذا لو صح وسلم للشيخ لكان من النادر الذي لا حكم ولا عموم له، كما تقرر في أصول الإستدلال.
الثاني: ما هي النجاحات أو الفلاح الذي يقصده الشيخ في سيرة أنديرا غاندي وكذا مارجريت تاتشر، وأي نوع من النجاحات يقصد أهي النجاحات الإقتصادية أو العسكرية أو الإجتماعية، وهل الشيخ من أهل الذكر في كل مجال من المجالات المذكورة حتي يؤخذ بقوله، وإذا كان أنديرا غاندي قد أفلحت بقومها فلما قتلها قومها بل أخص الناس بها وهم حراسها، أم لماذا لم ينتخب الناخب الإنجليزي مارجريت تاتشر إذا كانت أفلحت وأفلحتهم، هذا فضلا على أن الرئاسة في عرف الإفرنجة ليس بالمعنى المركزي المعروف بل إن رئيس الوزراء أو رئيس الدولة لا يستطيع أن يبرم أمرا ولا يحل ولا يربط إلا بعد الرجوع لرؤساء الحزب والمستشارين.
الثالث: أما أمر بلقيس فمما لا يصح الإستدلال به لأمور:
أن مجرد الحكاية من الله تعالى لشي من قصص السابقين لا يدل على الإقرار بدليل أن الله تعالى حكى أن الشياطين كانوا مسخرين لسليمان يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل، ومن المعلوم أن هذا ليس إقرارا لعمل التماثيل إلا في شرع سليمان عليه الصلاة والسلام، ولذلك انفصل الناس إلى أن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا إلا إذا قرره الشارع وليس ثمة تقرير عندنا.
بل الناظر لقصة بلقيس ليعلم علم اليقين ضعف النساء حينما استعانت بوزرائها ومستشاريها قائلة: ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون فهذا من ضعفها كما استدل الشيخ الوالد المرحوم العالم: ابن العثيمين، نعم لا تدفع عن عقل، وكثير من آحاد النساء قد تكون أحد وأقوى عقلا من كثير من آحاد الرجال وليس معنى هذا أن قول الله تعالى) وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ (قد بطل أو أن حديث " النساء ناقصات عقل ودين " خطأ أو ضعيف، لأن ذاك نادر لا حكم
له.
أما قضية تجويز تولية المرأة القيادات كالقضاء والحسبة وما فيها معنى الولاية، فليس من همتي الرد عليها كما قلت سابقا، وأحيل القاريء إلى مقالة الشيخ العلامة: حامد بن عبد الله العلي والشيخ العلامة: عبد الرحمن عبد الخالق حفظهما الله تعالى وغفر لهما ففيهما الكفاية إن شاء الله تعالى.
اللهم ويسر لهذا البلد الطيب المبارك من الخير والبركة الكثير الوفير، واصرف عنهم عين الحقد والحسد، ووفق ولاة أمورهم لما فيه خيرهم وبرهم، وزدهم خيرا إلى خيرهم وبرا إلى برهم، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
وكتبه أشرف صلاح علي علي