تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن هنا وضع المتقدمون أصولا في إعلال الروايات، فنجدهم على سبيل المثال، يقولون: (الإعلال بالأعلى أولى وليس أقوى) ومثال ذلك، إذا اجتمع في سند واحد انقطاع بين وكذاب (كحديث يرويه كذاب عن الحسن البصري رحمه الله عن أبي بكر رضي الله عنه) فإعلال هذا الحديث بعدم سماع الحسن رحمه الله من أبي بكر رضي الله عنه أولى من إعلاله بالكذاب الذي روى عنه، لأن هذا الكذاب قد يتابع عليه فيخرج من العهدة، بينما الإنقطاع بين الحسن رحمه الله وأبي بكر رضي الله عنه ثابت لا يمكن نفيه بأي حال من الأحوال، كما ذكر ذلك الشيخ الحويني حفظه الله في شرحه للموقظة، ونجدهم، كما ذكر ذلك الشيخ المعلمي رحمه الله (على ما أعتقد): يلتمسون للحديث الذي ظاهر سنده صحيح ومتنه منكر، علة قادحة مطلقا حيث وقعت، فإن لم يجدوا فإنهم يعلون الحديث بعلة غير قادحة مطلقا حيث وقعت، ومن أبرز الأمثلة على ذلك:

حديث أحمد بن الأزهر النيسابوري عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه: (أنت سيد في الدنيا سيد في الآخرة حبيبي حبيبك وحبيبي حبيب الله وبغيضي بغيضك وبغيضي بغيض الله)، فهذا سند في أعلى درجات الصحة، ولكن علامات النكارة الشديدة واضحة جدا في المتن، حتى قال الذهبي رحمه الله: هذا باطل ما يبعد أن يكون موضوعا وإلا فلم لم يحدث به عبد الرزاق رحمه الله أحمد وابن معين والخلق الذين ساروا إليه وأسر به لأحمد بن الأزهر رحمه الله، فهذا يدل على أن عبد الرزاق رحمه الله كان يرى نكارة هذا الحديث ولذا لم يحدث به بقية الجماعة، وهنا يلزم تحديد مصدر هذه النكارة رغم استبعادها بادي الرأي من كل رجال السند فهو على شرط الشيخين، وبالنظر إلى رجال السند، نجد أن العهدة ليست على معمر أو الزهري أو عبيد الله رحمهم الله، فبقي عبد الرزاق وأحمد بن الأزهر رحمهما الله، وخرج أحمد بمتابعة جعفر بن محمد رحمه الله له على عبد الرزاق فبقي عبد الرزاق رحمه الله وهو أولى رجال هذا السند بحمل عهدة هذه النكارة ويؤيد هذا أن عبد الرزاق رحمه الله قد عمي في آخر حياته فكان يلقن فيتلقن ولعل هذا مما لقنه، ويؤيده أيضا كلام الذهبي رحمه الله السابق، أضف إلى ذلك، ما عرف من تشيع عبد الرزاق رحمه الله، وهذا الحديث في فضائل علي رضي الله عنه.

ونراهم يضعفون الراوي في روايته عن أهل بلد، ويوثقونه في أهل بلد آخرين، ومن أبرز الأمثلة على ذلك، إسماعيل بن عياش رحمه الله، فهو ثقة في الشاميين، ضعيف في الحجازيين، وكذا إتفاق أصحاب مالك رحمه الله، على تضعيف رواية الشاميين كالوليد بن مسلم، ومحمد بن مروان الطاطري، عن مالك رحمه الله، وتقوية رواية المدنيين والمصريين عنه، كما نص على ذلك شيخ الإسلام رحمه الله في رسالة التوسل، ومما يحضرني أيضا في هذا الشأن، وصف أبي داود رحمه الله لرواية الوليد بن مسلم عن مالك بأنها باطلة، ولا يعلم هذا إلا من خلال سبر المرويات، الذي تميز به منهج المتقدمين.

ونراهم يضعفون رواية أهل بلد عن راو معين، كرواية الشاميين عن زهير بن محمد رحمه الله.

ونراهم يضعفون رواية راو في بلد معين، كما تكلم في رواية معمر في البصرة، ورواية هشام بن عروة في العراق.

ونراهم يحددون بدقة متناهية، تواريخ ميلاد ووفاة واختلاط وتغير الرواة، وتواريخ دخولهم بلاد من يروون عنهم، وما إلى ذلك، مما يستعان به على معرفة إتصال وانقطاع الروايات، ويمكنك أخي رياض الإستزادة من هذه الأصول، من خلال مطالعة شرح علل الترمذي للحافظ ابن رجب رحمه الله.

وهذه الأصول التي وضعها المتقدمون، كما ترى، في غاية الدقة، بحيث أنها تمكن الناقد المؤهل، من الحكم بوهم راو في مروية بعينها، وهذا بطبيعة الحال مباين لمنهج المتأخرين الذين اعتمدوا بالدرجة الأولى على أقوال أئمة الجرح والتعديل، في رجال السند، فإذا كان رجال السند ثقات فالحديث صحيح، وإن نزلوا لمرتبة صدوق، فالحديث حسن، وإن كانوا ضعفاء فالحديث ضعيف، دون النظر إلى الشذوذ والعلة، فربما أخطأ الثقة، مع جودة حفظه، في حديث ما، كما وقع ذلك لكبار الحفاظ كشعبة رحمه الله، وربما أصاب الضعيف، مع سوء حفظه، في

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير