تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

حديث ما، فلا يمكن تعميم الأحكام بناءا عل أقوال أئمة الجرح والتعديل، كما فعل المتأخرون، دون النظر إلى القرائن المحتفة بالرواية.

بل وتعدى ذلك إلى منهج المتقدمين في تعديل الرواة، حيث اعتمدوا أيضا على سبر روايات الراوي، قبل الحكم على حاله، ويظهر هذا جليا في صنيع ابن عدي رحمه الله، في كتابه الكامل، حيث اعتنى بجمع أحاديث الراوي قبل الحكم عليه، فنجده، على سبيل المثال، يقول: لا أعلم لفلان حديثا منكرا، بل إن ابن عدي رحمه الله، مع اتباعه لمنهج المتقدمين في هذه المسألة، إلا أنه لا يعتبر نفسه واحدا منهم، حيث نجده يقول في بعض الرواة: (لم أر للمتقدمين فيه كلاما)، وربما كان هذا لتأخر وفاته رحمه الله إلى سنة 367 هـ، والله أعلم.

وبناءا عليه، فإنه لا يمكن لمتأخر أن يحكم بتضعيف رواية أجمع المتقدمون على صحتها، أو بتضعيف راو أجمع المتقدمون على توثيقه، والعكس، حتى أن الحافظ رحمه الله في ترجمة (جعفر بن مسافر) توقف في الحكم عليه بالتدليس رغم أنه وقف على رواية معنعنة له وأخرى صرح فيها بالسماع مع ذكر الواسطة الضعيف لأن المتقدمين لم يذكروا تدليسه.

وللشيخ المعلمي رحمه الله كلام نفيس في هذه المسألة، حيث قال:: (لنا أن نقول إذا قال إمام من الأئمة كالبزار وأبو نعيم والطبراني: (تفرد بالرواية عنه فلان) أن نقول: (فلان لم يتفرد عنه وإنما روى عنه آخر، أما الحكم بالعدالة أو نفيها فهو غير ممكن لنا إذا لم نجد للمتقدمين في كلاما (بتصرف).

ويظهر الفارق بين المتأخرين والمتقدمين، في مسألة أخرى في غاية الأهمية، وهي مسألة تقوية الأخبار، فنرى المتقدمين، يشترطون شروطا في الرواية التي يراد تقويتها، وشروطا في الطرق المقوية، كما يظهر ذلك من تعريف الترمذي رحمه الله، للحديث الحسن، حيث اشترط رحمه الله، ألا يكون في إسناده متهم بالكذب وألا يكون شاذا، وهذه شروط تتعلق بالرواية، وأن يرد من غير وجه، مع سلامة هذه الأوجه من الشذوذ، وهذا شرط يتعلق بالطرق المقوية، ويظهر أيضا من شروط تقوية المرسل عند الشافعي رحمه الله، فهو لم يقو المرسل بمجرد انضمام روايات، بل شرط شرائط فيه، لكي يكون معروف المخرج، قبل أن يتقوى بتعدد الطرق، فاشترط أن يكون من رواية تابعي كبير، لأن الساقط في هذه الحالة يغلب على الظن أنه صحابي، لأن غالب شيوخ التابعي الكبير صحابة، واشترط صحة الإسناد إلى المرسل، واشترط أن يكون المرسل ثقة، مأمون السقط، إن سمى فلا يسمي إلا ثقة، فهو غير معروف بالرواية عن الضعفاء، وهذه كلها شرائط تتعلق بالرواية المرسلة، كما هو واضح، ومن ثم لا بد من تقويته بـ، رواية مسندة صالحة للإحتجاج أو الإعتبار على أقل تقدير، أو رواية مرسلة أخرى، بشرط عدم إتحاد المخرج، أو قول لصحابي، أو إجماع لأهل العلم، وهذه، كما ترى أخي رياض، شروط في غاية الإتقان، بينما تساهل المتأخرون في هذه المسألة، حتى توسع السيوطي رحمه الله (على ما أظن)، كما ذكر الشيخ عبد الله السعد حفظه الله، في شرح الموقظة، وقوى الحديث، بورود متابعات له، بألفاظ قليلة منه، فيأتي للفظ من الحديث، ويأتي بشاهد له من حديث آخر، ثم يأتي بشاهد للفظ آخر من حديث ثان، وهكذا لكل ألفاظ الحديث، وهذا تساهل واضح.

ولعل هذه النقاط الموجزة، توضح لك أخي رياض، مقدرة المتقدمين على الحكم على طرق الأحاديث ورواتها خلاف المتأخرين،

وأدعوك إلى سؤال شيخنا عبد الرحمن الفقيه حفظه الله، عن هذه المسألة، فعنده، المزيد النافع، إن شاء الله.

وجزاك الله خيرا على عذوبة ألفاظك، وحسن دعائك لي.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير