الإمام مالك: ((كل يؤخذ منه ويرد، إلا صاحب هذا القبر)) وأشار إلى قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كان لا بد للمسلم إلا أن ينخرط في هذه الجماعات، فعلى الأقل عليه أن لا ينسى أنها وسائل لا غايات، وأنها نتاج بشري غير معصوم، وأخذ المعترض بحسن الظن، وأنه تكلم لتصحيح خطأ ما، لا للانتقاص أو التشهير.
فيا أمة الإسلام عوداً لما أصلح أول أمركم، كتاب الله وسنة نبيه وفهم سلفنا الصالح، وودعاً لكل ما يشق عصاكم مما لم يأت الدليل داعماً له، ونبذاً لكل أنواع التعصب المذموم، والذي قد يجر إلى ويلات لا يحمد عقباها، وتذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قاله في مقام تبيان فضله على هذه الأمة: ((ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين فجمعكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي)) (رواه البخاري ومسلم).
سبع وقفات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله خالق الكون ومدبر أموره (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) والصلاة والسلام على سيد سادات العرب والعجم وإمام طيبة والحرم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فمن المعلوم أنَّ الإنسان قد خُلِقَ محدود العمر، تتناوشه النزعات والشهوات، ضعيف الحول والقوة، التبعات الملقاة على عاتقه ضخمة ثقيلة، كيف وقد عُرضت على السماوات والأرض والجبال فأبينَّ أن يحملنها، وأشفقن منها، وحملها الإنسان، ولأجل صون هذه الأمانة التي حملناها كانت هذه الوقفات التي سُطّرَت للتذكرة (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى) فالذكرى نافعة لا محالة إن لم تنفع بالعاجل نفعت بالآجل:
1 - الوقفة الأولى: قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة تلك العابدة الزاهدة: ((يا فاطمة بنت محمد: أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لك لا ضراً ولا نفعاً)) (صحيح الجامع)، هكذا قال صلى الله عليه وسلم لابنته وقد كانت خير نساء العالمين، وأنت أيها الأب الغيور: ماذا قُلتَ لابنتك؟ ماذا قلت لها وهي تجلس إمام التلفاز (الدش)، راجع نفسك، ولا تكن كما قال الشاعر:
أنا الذي أغلقَ الأبوابَ مُجتهداً
على المعاصي وعينُ اللهِ تَنظُرُهُ
وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم عليه الجنة)).
2 - الوقفة الثانية: تشيعُ اليوم في مجتمعاتنا ظاهرة: ((التعميم في إطلاق الحكم))، ومثال ذلك: أنَّ بعض الناس عندما يبلغه خبرٌ عن أمر خاطيء عن شخص ما فإنَّ ذلك السامع يُصدر حُكماً عاماً يشمل كل من انتسبَ إلى صاحب الخطأ من بعيد أو قريب، بل وإذا تكلم عن أصحاب ذلك المخطيء وصمهم جميعاً بالخطأ، وجعل تلك القضية الخاطئة قاسماً مشتركاً بين الجميع، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى: نرى صورة مباينة في حالة بلوغه خبراً عن أمر حسن فتجده يقصد المدح والثناء على ذلك الشخص وحده، فالله الله في اللسان:
لسانك لا تذكر به عَورةَ امريء
فكلكَ عوراتٌ وللناسِ ألسنُ
3 - الوقفة الثالثة: تَصَيُّد الأخطاءِ: هناك بعض الناس لا عَملَ لهم سوى تصنيف الناس والبحث عن زلاتهم، ومعلوم أنَّ كل من يعمل يُخطيء، ولكن من لا يعمل لا يخطيء، فهؤلاء – والعياذ بالله – ليس لهم عمل دعوي مُطلقاً، وإنَّما عملهم الغيبة والتثبيط والوقوع في الأعراض، قال الإمام الشعبي: ((لو أصبتُ تسعاً وتسعين، وأخطأتُ واحدة، لأخذوا الواحدة وتركوا التسعَ والتسعين)).
إنَّ هؤلاء وأمثالهم شبههم شيخ الإسلام بالذباب، فقال – رحمه الله -: ((إنَّ بعض الناس لا تراه إلا مُنتقداً داءً، يَنسى حسنات الطوائف والأجناس ويذكر مثالبهم، فهو مثل الذباب يترك مواضع البرد والسلامة، ويقع على الجرح والأذى، وهذا من رداءة النفوس وفساد المزاج)) ولو تركَ هؤلاء النقد الهَدَّام، وعملوا ولو قليلاً لكان خيراً لهم.
¥