التاسعة: النفقة في الجهاد في سبيل الله سواء كان جهاداً للكفار أو المنافقين، فإنه من أعظم ما بُذلت فيه الأموال؛ فإن الله أمر بذلك في غير ما موضع من كتابه، وقدَّم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في أكثر الآيات ومن ذلك قوله سبحانه: ((انفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَموَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)) [التوبة: 41]، وقال سبحانه مبيناً صفات المؤمنين الكُمَّل الذين وصفهم بالصدق: ((إِنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَم يَرتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)) [الحجرات: 15]، وأثنى سبحانه وتعالى على رسوله وأصحابه رضوان الله عليهم بذلك في قوله: ((لَكِن الرَّسُولُ وَالذَّينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الخَيرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوزُ العَظِيمُ)) [التوبة:89، 88]، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((أفضل الصدقات ظلُّ فسطاطٍ في سبيل الله عز وجل أو منحة خادم في سبيل الله، أو طروقة فحل في سبيل الله)) [صحيح الجامع]، وقال: ((من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا)) [رواه البخاري ومسلم]، ولكن ليُعلم أنَّ أفضل الصدقة في الجهاد في سبيل الله ما كان في وقت الحاجة والقلة في المسلمين كما هو في وقتنا هذا، أمَّا ما كان في وقت كفاية وانتصار للمسلمين فلا شك أن في ذلك خيراً، ولكن لا يعدل الأجر في الحالة الأولى: ((وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ)) [الحديد: 11، 10]. (إن الذي ينفق ويقاتل والعقيدة مطاردة، والأنصار قلة، وليس في الأفق ظل منفعة، ولا سلطان، ولا رخاء غير الذي ينفق، ويقاتل، والعقيدة آمنة، والأنصار كثرةٌ والنصر والغلبة والفوز قريبة المنازل، ذلك متعلق مباشرةً لله متجردٌ تجرداً كاملاً لا شبهة فيه، عميق الثقة والطمأنينة بالله وحده، بعيدٌ عن كل سبب ظاهر، وكل واقع قريب لا يجد على الخير أعواناً إلا ما يستمده مباشرةً من عقيدته، وهذا له على الخير أنصارٌ حتى حين تصح نيته ويتجرد تجرد الأوليين) [في ظلال القرآن].
العاشرة: الصدقة الجارية: وهي ما يبقى بعد موت العبد، ويستمر أجره عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)) [رواه مسلم].
وإليك بعضاً من مجالات الصدقة الجارية التي جاء النص بها:
مجالات الصدقة الجارية
1 - سقي الماء وحفر الآبار؛ لقولة صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصدقة سقي الماء)) [صحيح الجامع].
2 - ? إطعام الطعام؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما سُئل: أي الإسلام خير؟ قال: ((تُطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)) [رواه البخاري ومسلم].
3 - بناء المساجد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله، بنى الله له بيتاً في الجنة)) [رواه البخاري ومسلم]، وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من حفر بئر ماء لم يشرب منه كبد حرى من جن ولا إنس ولا طائر إلا آجره الله يوم القيامة، ومن بنى مسجداً كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتاً في الجنة)) [صحيح الترغيب].
4 - الإنفاق على نشر العلم، وتوزيع المصاحف، وبناء البيوت لابن السبيل، ومن كان في حكمه كاليتيم والأرملة ونحوهما، فعن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علمه ونشره، أو ولداً صالحاً تركه، أو مصحفاً ورثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته)) [صحيح الترغيب].
ولتعلم أخي، أنَّ الإنفاق في بعض الأوقات أفضل منه في غيرها كالإنفاق في رمضان، كما قال ابن عباس رضي الله عنه: ((كان رسول الله أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة)) [رواه البخاري ومسلم]، وكذلك الصدقة في أيام العشر من ذي الحجة، فإنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام)) يعني أيام العشر. قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك شيء)) [رواه البخاري]، وقد علمت أنَّ الصدقة من أفضل الأعمال التي يُتقرب بها إلى الله.
ومن الأوقات الفاضلة يوم أن يكون الناس في شدة وحاجة ماسة وفقر بيّن كما في قوله سبحانه: ((فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ))
[البلد: 11 - 14].
فمن نعمة الله عز وجل على العبد أنْ يكون ذا مال وجدة، ومن تمام نعمته عليه فيه أنْ يكون عوناً له على طاعة الله ((فنعم المال الصالح للمرء الصالح)) [رواه البخاري].
هذا، وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
¥