القسم الأول: أصحاب المصلحة الدينية: وهم الذين قالوا: إن مصلحة الدعوة تقتضي التمهل في ذلك والانتظار، لا سيما والله تعالى يقول [ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم]، وبهدم هذه الأصنام سيشتم الإسلام ويمزق المصحف.
والقسم الثاني: أصحاب المصلحة الدنيوية: وهم الذين قالوا: إن مصلحة البلاد المادية متعلقة بهذه الأصنام ووجودها لأنها مناطق سياحية.
والجواب من طريقين، مجمل ومفصل:
أما الجواب المجمل:
فإن أعظم المصالح على الإطلاق إقامة التوحيد وتشييد أركانه، وهدم الشرك وآثاره، ولا مفسدة أعظم من ترك صروح الشرك والوثنية عند القدرة عليها، وتأمل في قصة إبراهيم عليه السلام المذكورة في القرآن كيف جعل الأصنام جذاذاً ولم ينظر لمثل هذه المصالح الموهومة التي يمليها الشيطان على الرغم من عدم وجود المعين، ومن تسلطهم عليه.
وتأمل في قصة وفد ثقيف عندما أسلموا ووفدوا على الرسول e :
فإنهم فيما سألوا رسول الله e أن يدع لهم الطاغية - وهي اللات- لا يهدمها ثلاث سنين، فأبى رسول الله e عليهم، فما برحوا يسألونه سنة سنة، ويأبى عليهم، حتى سألوه شهراً واحداً بعد قدومهم، فأبى عليهم أن يدعها شيئاً مسمى، وإنما يريدون بذلك فيما يظهرون أن يسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم وذراريهم ويكرهون أن يروعوا قومهم بهدمها فبعث المغيرة بن شعبة وأبا سفيان بن حرب لهدمها [1].
فتأمل المصالح التي ذكروها:
1 - فهم حدثاء عهد بإسلام فيحتاجون إلى التأليف.
2 - و خافوا من سفهاء قومهم.
3 - وأرادوا تأليف قومهم وعدم ترويعهم حتى يدخلوا الإسلام.
ومع ذلك كله فإن النبي e رأى أن المصلحة في دك حصون الشرك وقلع قواعده وهدم صروحه، ولم يلتفت إلى تلك المصالح الموهومة مطلقاً.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى - في فوائد قصة ثقيف هذه-[زاد المعاد] 3/ 506:
[ومنها أنه لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوماً واحداً فإنها شعائر الكفر والشرك وهي أعظم المنكرات فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة البتة [1]]
وقال أيضاً: 3/ 601:
[ومنها هدم مواضع الشرك التي تتخذ بيوتا للطواغيت وهدمها أحب إلى الله ورسوله وأنفع للإسلام والمسلمين من هدم الحانات والمواخير وهذا حال المشاهد المبنية على القبور التي تعبد من دون الله ويشرك بأربابها مع الله لا يحل إبقاؤها في الإسلام ويجب هدمها ولا يصح وقفها ولا الوقف عليها].
وأما الجواب المفصل:
أما شبهة القسم الأول:
فإن الآية إنما نزلت في مكة –أثناء ضعف المسلمين-، وهي في السب خاصة، وقد قام الذي نزلت عليه e بكسر الأصنام وهدم الأوثان بل و الأمر بذلك، ولا تنافي بين الأمرين، فإن المسلمين إذا كانوا في ضعف ولا يستطيعون إزالة الأصنام وهدمها فإن مفسدة سب المشركين لله سبحانه وتعالى أعظم من مجرد سب آلهة المشركين –بدون إزالتها وهدمها-، وهذا ما كان عليه المسلمون في مكة قبل الهجرة، ولما انتصروا وكانت لهم القدرة على إزالة وهدم الطواغيت كانت مصلحة إزالتها أعظم من مفسدة سب المشركين لله سبحانه؛ وهذا ما صنعه الرسول e بعد فتح مكة حيث هدم هذه الأصنام وأرسل السرايا لهدمها.
والجواب على شبهة القسم الثاني –وهي تركها من أجل السياحة- من وجهين:
الوجه الأول: أن هذا الكلام من أبطل الباطل، فإن هؤلاء المضلين استدلوا بباطل على باطل؛ حيث استدلوا بأن مصلحة مجئ الكفار إلى بلاد المسلمين –فيما يسمى بالسياحة- تقتضي الإبقاء على مثل هذه الأصنام.
فيقال لهم:
لو أن المحرِّم لهذه الأصنام والموجب لكسرها و هدمها لم يجد من الأدلة على تحريم الإبقاء عليها إلا أنها تأتي بمثل هؤلاء الكفار والسياح لمشاهدتها لكان استدلاله صحيحاً، فإن مجئ الكفار إلى بلاد المسلمين لا يأتي إلا بالمصائب والمفاسد والمنكرات، وما دخل الكفار في بلاد بمسمى السياحة إلا وأحدثوا فيها من المنكرات ما لا ينكره عاقل يعرف واقعهم وما هم عليه.
فكيف تترك النصوص المحكمة المتواترة المتظاهرة على حرمة هذه الأصنام ووجوب إزالتها ودك حصونها لمثل هذه التعليلات الفاسدة.
¥