الوجه الثاني: أنه لو سلم ذلك لهم، فإن مصلحة إقامة التوحيد وهدم الأصنام أعظم من المصالح المادية، وقد تكفل الله سبحانه برزق من اتبع شرعه، فقد قال الله سبحانه وتعالى [يا أيها آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره 2/ 364:
[وقوله [إن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله]:
قال محمد بن إسحاق: وذلك أن الناس قالوا: لتنقطعنَّ عنا الأسواق، ولتهلكن التجارة، وليذهبنّ ما كنا نصيب فيها من المرافق، فأنزل الله [وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله من ذلك إن شاء]].
الشبهة الرابعة شبهة أن هذه الأصنام لأهل الذمة وهم يقرون عليها
ومن شبه هؤلاء قول بعضهم: إن مثل هذه الأصنام لأهل الذمة، وأهل الذمة يقرون على ما هم عليه، فلا يجوز التعرض لها.
والجواب عن هذه الشبهة أن يقال:
قد اتفقت أقوال علماء المذاهب على أن أهل الذمة يقرون على دينهم وما صولحوا عليه غير أنه لا يسمح لهم بإظهار شئ من شعائرهم، وأنهم إذا أظهروا صلبانهم أو أصنامهم فإنها تكسر وتتلف بخلاف ما إذا أخفوها، قال ابن حزم في [مراتب الإجماع] ص 134:
[وأن لا يظهروا الصليب على كنائسهم ولا في شئ من طريق المسلمين…ولايظهروا شعانين ولا صليباً ظاهراً، ولا يظهروا النيران في شئ من طرق المسلمين].
وإليك أقوال علماء المذاهب:
فمن الحنفية:
قال أبو بكر الكاساني الحنفي في [بدايع الصنايع] 7/ 114:
[لا يمكنون من إظهار صليبهم في عيدهم ; لأنه إظهار شعائر الكفر , فلا يمكنون من ذلك في أمصار المسلمين , ولو فعلوا ذلك في كنائسهم لا يتعرض لهم وكذا لو ضربوا الناقوس في جوف كنائسهم القديمة لم يتعرض لذلك ; لأن إظهار الشعائر لم يتحقق , فإن ضربوا به خارجاً منها لم يمكنوا منه لما فيه من إظهار الشعائر].
وقال كمال الدين بن الهمام في [فتح القدير] 6/ 60:
[إنهم –أي أهل الذمة- إذا حضر لهم عيد يخرجون فيه صلبانهم وغير ذلك فليصنعوا في كنائسهم القديمة من ذلك ما أحبوا , فأما أن يخرجوا ذلك من الكنائس حتى يظهر في المصر فليس لهم ذلك , ولكن ليخرجوا خفية من كنائسهم].
ومن المالكية:
قال الحطاب في [التاج والإكليل] 4/ 602:
[قال ابن حبيب: يمنع الذميون الساكنون مع المسلمين إظهار الخمر والخنزير وتكسر إن ظهرنا عليها ويؤدب السكران منهم، وإن أظهروا صلبهم في أعيادهم واستسقائهم كسرت وأدبوا]
وقال الصاوي المالكي في حاشيته على الشرح الصغير 2/ 316:
[وكذا يكسر صليبه إن أظهره].
ومن الشافعية:
وقال الشافعي في [الأم] 4/ 210 - في شروط مصالحة أهل الذمة وكتابتها-:
[على أن ليس لكم أن تظهروا في شيء من أمصار المسلمين الصليب , ولا تعلنوا بالشرك, ولا تبنوا كنيسة , ولا موضع مجتمع لصلاتكم , ولا تضربوا بناقوس , ولا تظهروا قولكم بالشرك في عيسى ابن مريم , ولا في غيره لأحد من المسلمين].
وقال ابن حجر الهيتمي الشافعي في [تحفة المحتاج] 9/ 302:
[ويمنعون –أي أهل الذمة- من إظهار منكر بيننا؛ نحو خمر , وخنزير , وناقوس: وهو ما يضرب به النصارى لأوقات الصلاة، وعيد , ونحو لطم , ونوح , وقراءة نحو توراة, وإنجيل , ولو بكنائسهم ; لأن في ذلك مفاسد كإظهار شعار الكفر فإن انتفى الإظهار فلا منع , وتراق خمر لهم أظهرت , ويتلف ناقوس لهم أظهر].
ومن الحنابلة:
وقال ابن مفلح الحنبلي في [الفروع] 6/ 276:
[ويمنعون وجوباً من إظهار خمر وخنزير , فإن فعلا أتلفناهما وإلا فلا , نص عليه - وسبق أول الغصب -، وإظهار عيد وصليب وضرب ناقوس ورفع صوت بكتاب أو على ميت، وقال شيخنا: ومثله إظهار أكل في رمضان , ونص أحمد: لا يضربون بناقوس , ومراده والله أعلم: إظهاره , قال في الروضة وغيرها: ويمنع من التعرض للذمة فيما لم يظهروا].
وقال السفاريني في غذاء الألباب 1/ 240:
[وما أظهروه من المحرمات في شرعنا تعين إنكاره عليهم , فإن كان خمرا جازت إراقته , وإن أظهروا صليبا أو طنبورا جاز كسره. وإن أظهروا كفرهم أدبوا على ذلك، ويمنعون من إظهار ما يحرم على المسلمين].
ومن الظاهرية:
وقال ابن حزم رحمه الله في [المحلى]:
¥