[مع القرآن الكريم]
ـ[أبو الجود]ــــــــ[13 - 08 - 02, 08:30 م]ـ
من كتاب قواعد التدبر الأمثل لكتاب الله غز و جل للدكتور عبد الرحمن حبنكة
أختر هذا المثال الرائع للترابط الموضوعي في القرآن الكريم
أمر الله – عز و جل – رسوله – صلى الله عليه و سلم – بما أنزل عليه في العهد المكي في سورة الأنعام (6مصحف / 55نزول) بأن يعرض عن الذين يخوضون في آيات الله بمنكر من القول أو استهزاء أو انتقاد أو نحو ذلك حتى يخوضوا في حديث غيره و لو كان غرضه دعوتهم إلى سبيل ربه فقال تعالى:
" و إذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره و إما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ".
و لما كان الخطاب موجها للرسول – صلى الله عليه و سلم – و لكل الذين اتبعوه كشأن كل خطاب موجه للرسول – صلى الله عليه و سلم –إلا ما دل الدليل على أنه خاص بالرسول – صلى الله عليه و سلم – فقط فإن التلويم و المؤاخذة و المحاسبة تلاحق كل المسلمين بعد نزول هذا النص إذا هم خالفوا مضمونه فلم يعرضوا عن الذين يخوضون في آيات الله من الكافرين أو المنافقين الذين مردوا على النفاق.
ففي العهد المدني صار جماعة من المسلمين في الظاهر المنافقين في الحقيقة يوالون طائفة من الكافرين فقد كانت لهم صداقات و مودات مع اليهود و كانوا يسمعون منهم الطعن في آيات الله و في رسوله – صلى الله عليه و سلم – دون أن ينتصروا للحق أو يفارقوا مجالس هؤلاء الظالمين الذين يخوضون في آيات الله و يطعنون في رسول الله – صلى الله عليه و سلم – فأنزل الله – عز و جل - في سورة النساء المدنية و هي السورة الثانية و التسعون بحسب ترتيب النزول مذكرا لهم بآية الأنعام المكية و مؤنبا لهم على عملهم هذا و مبينا لهم أن عملهم هذا يدمغهم بالنفاق و انهم يكونون إذا مثلهم و أن الله جامع الكافرين و المنافقين في جهنم جميعا فقال تعالى:
" بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما * الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا * و قد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفربها و يستهزئ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم ‘ذا مثلهم إن الله جامع الكافرين و المنافقين في جهنم جميعا "
فجاءت الإحالة في هذا النص على آية الأنعام المكية التي سبق ذكرها لبيان الترابط الفكري بين موضوع النصين و وجه هذا النص المؤاخذة و التأنيب للمخالفين على مخالفتهم لمضمون النص السابق و مضمون النص السابق هو ما جاء منصوصا عليه صراحة و ما يفهم منه من باب أولى و هو اتخاذ الكافرين أولياء و زاد هذا النص الدمغ للمخالفين بالنفاق و شرح المراد من الخوض في آيات الله المذور في آية الأنعام بقوله في النص الذي أنزل في (النساء)
" أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها و يستهزئ بها " و أضاف أنهم إذا قعدوا و هم يفعلون ذلك فإنهم إذا مثلهم فقال لهم
" فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم "
و هكذا تشابكت الجمل من النصين في السورتين بنسيج متكامل مع ما لكل نص منهما من ترابط بالسورة التي هو منها