تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

شباب هذه القرية الطيب الخدوم كان سمتها المميز، بعد إلقاء الشيخ محاضرته الرائعة عن دفع الشبهات التي تواجه المسلم في حياته انتقل به وبصحبه المضيفون الكرام إلى دار أعدت للغداء والراحة قدم إلينا فيها بعض الأعيان، ثم استأنفنا الرحلة قاصدين "صانكرافة " التي كانت تنتظر قدوم الشيخ بفارغ الصبر حيث اجتمع أهلها من الساعة العاشرة صباحا في حائط فسيح مفروش بالسجاد و نصبت فيه خيام فسيحة رصعت بالألوان الزاهية مع دار مؤثثة في ركن قصي من الحائط .. كان ترحاب القوم لاينقطع البشر باد على وجوههم، لفت انتباهي أن ضيافتهم قد اتسعت لكل الحائط الكبير، وكان من بينهم الأخ الفاضل والسيد الأبي سيد بوي .. ألقى الشيخ محاضرته على القلوب الواعية من أهل هذا الحي الطيبين و بعد الأسئلة عاد الشيخ إلى مكان ضيافته ليلتق حوله جمع من المحبين فيواصلوا أسئلتهم و استفادتهم من الشيخ، و كان أهل الحي "اتوجكجيت" قد أعدوا انفسهم و أفرشوا حائط المسجد يتنتظرون الشيخ فأوفد إليهم من ينوبه من السادة والعلماء المرافقين له.

فجر اليوم الموالي انطلق موكب الشيخ على بركة الله إلى "كامور"، حيث كان أهله ينتظروننا على أحر من الجمر، توجهنا إلى بيت العالم المربي سيدي مولود ولد جاكيري الذي استقبلنا ببشاشته المعهودة و تواضعه الجم، و ماهي إلا لحظات حتى اجتمع علينا وجهاء الحي الكرام ... و بعد السلام وتقديم المائدة ذهب الوفد إلى المسجد الذي اجتمع فيه من الحي رجالا كراما و نساء عفيفات طاهرات ... و أثناء الدرس تدخلت الدرك الوطني لتطلب من الشيخ إيقاف الدرس بأمر من الحاكم، إلا أن الشيخ رد عليهم بأن الدرس دعوية و ليست سياسية، فأجاب المأمور: أنا مبعوث من الحاكم فرد عليه الشيخ أنت رسول فعد إلى من أرسلك و أخبره بما أجبتك .. انتهت الدرس بسلام.

كان أهل "كرو" يتقاطرون علينا رذاذا من الحب و وميضا من الإيمان سار الموكب و قد انضمت إليه سيارات أهل "كرو" تعلن الفرح و تبث السرور بمقدم الشيخ الددو، وما إن دخلنا منطقة "كرو" حتى رأينا العجب العجاب حيث كانت الحرائر ربات الخدورو بنات النسب العريق، يصعدن إلى الأسقف و يطلقن للروح شواقها فتفجرت حناجرهن بالزغاريد العفيفة و لوحن بأطرافهن تحية،أما الرجال فحدث ولا حرج فقد امتلأ بيت الكرم والسؤدد الفسيح، بيت رجل الأعمال التقي و المتصدق "أمود ولد السالك" .. اكتظ هذا البيت بالأخيار من أهل "كرو" الذين لم تلههم تجارة و لا بيع عن ذكر الله فاغلقوا السوق لأول مرة ضحوة من النهار و انصرفوا إلى المسجد ليأخذوا أماكن لهم فيه ينتظرون الشيخ.

تلك المكار لا قيعان من لبن ** وهكذا السيف لا سيف ابن ذي يزن

يبدو أن هذا الجو المفعم بالإيمان و الحب لم يرق للسلطان ومن على ملته، فأرسل الحاكم يطلب الشيخ فذهب إليه مضيفنا "أمود ولد السالم" و طلب منه أن يمهل الشيخ إلى آخر النهار حتى يستريح، فرد الحاكم بأنه لولا احترامه لشخص أمود لأمر باعتقال الشيخ والمجئ به فورا وأنه لا بد من أن يأتيه في المكتب ساعتئذ، عاد إلينا فقرر الشيخ الذهاب صحبة أمود إلى الحاكم الذي دخل معهم في حديث غير مؤدب يشرب الدخان هو وآمر الدرك كأنهما يريدان إيذاء الشيخ الذي لا يتحمل الدخان، اتضح من الحاكم أنه لا يملك من الصلاحيات إلا قلة الأدب و التطاول على الشيخ الوقور قائلا: إن والده كان عالما و شيخا لمحظرة فأجاب الشيخ هل كان يأخذ منك رخصة للتدريس في المسجد فبهت.

وأثناء الحديث دعا الحاكم الشيخ الددو ليجيب الهاتف فإذا بالوالييأمر ويتحدث بما يقارب حديث الحاكم يطلب من الشيخ تقديم طلب إذن بالتدريس في المسجد .. فكتب الشيخ طلبا فوعده بالنظر فيه و بعد هنيهة أجابوا بعدم القبول على مستوى الولاية، نزل الخبر على المجتمعيين في المسجد و الدار كالصاعقة و لم تعد تسمع إلا حسبنا الله و نعم الوكيل، بذل مضيفنا معهم كل محاولة أن يتركوا الشيخ يلتقي بالناس في مسجد صغير بجانب بيته أو في ساحة عمومية إلا أنهم أصروا واستكبروا استكبارا وجمدوا على قرارهم كالصخر، فكأن هذا الأمر من قرارات السيادة للنظام الحاكم مثله فى ذلك مثل التطبيع وإغلاق المعاهد الإسلامية وقطع أرزاق الأيتام.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير