ـ[أبو عبدالرحمن مبارك]ــــــــ[31 - 07 - 04, 06:45 م]ـ
قال محقق " مدارج السالكين " الشيخ عامر بن علي ياسين عند كلامه على صاحب كتاب " منازل السَّائرين " شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري (1ـ 32 ـ41):
" ... وأما الأشياء المشكلةُ؛ فينبغي أن نقِفَ معها قليلاً ونستبين ما فيها من خطإٍ وصواب وما يلام عليه الشيخ منها وما لا يُلامُ:
أولأً: مشكلةُ وحدةِ الوجود في " منازل السائرين ":
1) قال شيخ الإسلام في " منهاج السنة " (5/ 342): " وقد ذكر في كتابه " منازل السائرين " أشياء حسنةً نافعةً وأشياء باطلةً، ولكن هو فيه ينتهي إلى الفناء في توحيد الربوبية ثم إلى التوحيدالذي هو حقيقة الاتحاد "! ثم بين (5/ 371ـ 372) أن مراده بالاتحاد " الاتحادُ والحلولُ الخاصُّ، من جنس قول النصارى في المسيح "! قال (5/ 383): " أما أهل الاتحاد العام، فيقولون: مافي الوجود إلا الوجود القديم.وهذا قول الجهمية. وأبو إسماعيل لم يُرِد هذا؛ فإنه قد صرح في غير موضع من كتبه بتكفير هؤلاء الجهمية الحلولية الذين يقولون إن الله بذاته في كل مكان. وإنما يُشيرُ إلى ما يختصُّ به بعض الناس ... والاتحاد والحلول الخاص ُّ وقع فيه كثيرٌ من العباد والصوفية وأهل الأحوال ".
وعلى هذا فشيخ الإسلام برَّأ الهروي من مقالة أهل الوحدة ولكنه وصمه بالحلول الخاص المشابه لقول النصارى! وهذا مشكل فيما أرى؛ لأن الحلول العام لا الخاص هو الذي يتناسب مع دعوة الفناء التي عجَّتْ بها صفحات " المنازل "!.
ومن البين أن شيخ الإسلام استند في ذلك: إلى قاعدته الشهيرة في أن لازم القولِ ليسَ بلازمٍ، ولا سيما إذا صرح صاحبُهُ بإنكاره. وإلى تصريح الهرويِّ بتكفير الجهمية في بعض كتبه. وإلى عقيدته السَّليمة في الأسماء والصَّفات، ومذهبه الحنبلي الجلد، وسيرته العملية العطرة في نصرة السنة، وجهاده لأهل الكلام. وهو ما تَلْمُِسُهُ واضحاً فيما نقله عنه ابن القيم (3/ 382): " عملُهُ [أي: الهروي] خيرٌ من عمله ".
2) قال الذهبي في " أعلام النبلاء " (18/ 510): " انتفع به خلقٌ وجهِلَ آخرون؛ فإن طائفةٌ من صوفية الفلسفة والاتحاد يخضعون لكلامه في " منازل السائرين " وينتحِلونه ويزعمون أنه موافقُهُم. كلا بل هو رجلٌ أثري، لَهجٌ بإثبات نصوص الصفات، منافر للكلام وأهله جداً، وفي " منازله " إشاراتٌ إلى المحو والفناء، وإنما مرادُهُ بذلك الفناء هو الغيبة عن شهود الِّوى، ولم يُرِدْ محو السِّوى في الخارج، وياليته لا صنف ذلك، فما أحلى تصوف الصحابة والتابعين! ماخاضوا في هذه الخطرات والوساوس ".
مال الذهبي هنا وفيما تقدم قبل قليل إثبات إشكالات عجيبة ونفس لا يشبه كلام السلف وخطرات ووساوس تبناها أهل الاتحاد حتى عدُّوا الهروي منهم. لكنه برَّأ الهروي من دعواهم جملةً وتفصيلاً، مستنداً إلى مستند إليه شيخُهُ ابن تيمية تقريباً.
لكن يَرِدُ على الذهبي هُنا أنَّه غلبَ عليه نفسُ المؤرخ الذي يتصفح الكتب عادةً على وجه السرعة، ملتفتاً إلى الوصف والتوثيق، لا إلى التحليل والتدقيق، ولذلك رأيتُ تأويلهُ لمقاصد الهروي بالمحوِ والفناءِ عامًّا يتناولُ الكتابَ جملةً واحدةً، خلافاً لشيخ الإسلام الذي دقق وفصّضل في دراسة الهروي كل على حدةٍ.
3) قال ابن القيم (1/ 338): " وصاحب المنازل " رحمه الله كان شديدَ الإثبات للأسماء والصفات مضاداً للجهمية من كل وجه، وله كتابُ " الفاروق " استوعب فيه أحاديث الصفات وآثارها ولم يُسْبقْ إلى مثله وكتاب " ذم الكلام " ... وله مع الجهمية المقامات المشهورة ... " لكن " استولى عليه ذوق الفناء وشهوة الجمع ... فتضمن ذلك تعطيلاً من العبودية بادياً على صفحات كلامه وِزانَ تعطيل الجهمية لما اقتضته أصولُهُم من نفي الصفات. ولما اجتمع التعطيلان لمَن اجتمعا له من السَّالكين، تولد منهما القولُ بوحدة الوجود المتضمن لإنكار الصانع وصفاته وعبوديته. وعَصَمَ الله أبا إسماعيل باعتصامِهِ بطريقة السَّلفِ في إثبات الصفات، فأشرف من عقبه الفناء على وادي الاتحاد بأرض الحلول، فلم يسْلُكُ فيها ".ولذوقِ هذا المشهد والدعوة لهذه العقبة تعلق الاتحادية بعبارته ونزَّلوا " الجمعَ الذي يشير إليه على جمع الوجود، وهو لمْ يُرِدْ به حيث
¥