ـ[مبارك]ــــــــ[08 - 08 - 04, 04:39 ص]ـ
* ماذكره الإمام ابن قيم ـ رحمه الله ـ عن شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ قد يفهم منه مافهمه الأخ المفضال واحد من المسلمين وقد بنى ذلك على ما قدمتين:
الأولى: قوله ـ أي ابن تيمية ـ " كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ أنهم مهزمون ... ".
الثانية: قوله ـ أي ابن قيم ـ " وأخبرني ببعض حوادثَ كبار تجري في المستقبل، ولم يُعيِّنْ أوقاتها، وقد رأيت بعضها وأنا أنتظرُ بقيتها ".
النتيجة التي توصل إليها واحد من المسلمين من هاتين المقدمتين قوله: من أدرى ابن تيمية بما هو مكتوب في اللوح المحفوظ؟! وكيف يعتقد ابن القيم أن ابن تيمية يعلم الغيب بقوله: وأنا أنتظرُ بقيتها.
أحبُ أن انقل لك ما فهمه العلامة محمد حامد الفقي من هاتين المقدمتين:
قال عن المقدمة الأولى: وهل اطلع على مافي اللوح المحفوظ؟ فلعله كان يقصد بتلك الجرأة في القول تشجيعهم وتقوية روحهم المعنوية فإن هذا من أقوى أسباب النصر على الأعداء.
وقال عن المقدمة الثانية: مفاتح الغيب عند الله لا يعلمها إلا هو سبحانه وغفر لنا وله فأين هذا من الفراسة؟! وإنما هلك من هلك بالغلو في شيوخهم. عفا الله عنه.
قال مبارك: تعظيمي وإجلالي لشيخ الإسلام ابن تيمية لما عُرِف عنه من نصرة السنة ومحاربةالبدعة يجعلني أحمل كلامه وخبره على أنه: ثقة عظيمة بالله ... لو أقسم على الله لأبره ... ولينصرن الله من ينصره.
أحبُ أيضاً أن أنقل لك ما فهمه الشيخ الفاضل عامر بن علي ياسين من هاتين المقدمتين:
قال عن المقدمة الأولى: ليس هذا من باب الفراسة، وإن كان شيخ الإسلام أحق بالفراسة وأهلها، وإنما هو من باب الثقة بالله واليقين بنصره لعباده إذا ما اجتمعت قلوبهم واتّفقت كلمتهم على طاعته والجهاد في سبيله. والظاهر أن شيخ الإسلام إنما أراد بهذا شدّ عزائم الجند وتثبيت قلوبهم واستئصال الفزع الذي عصف بالمسلمين في ذاك العصر حتى استسلمت حواضرهم واحدة تلو الأخرى لتخريب التتار وإفسادهم دون أن يجرؤوا على مجرّد التفكير بمواجهتهم. ولفعله أصل في السنة؛ فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم بدر بمقاتل رؤساء كفار مكة، نعم؛ كان خبره صلى الله عليه وسلم وحياً، وأمّا خبر ابن تيمية فمصدره الثقة واليقين. وقد أخذت الجيوش المعاصرة بهذا الأصل وتوسّعت فيه، فأصبحت فيها دوائر متخصّصة في التوجيه المعنويّ للجند وبثّ روح النضال فيهم.
وقال عن المقدمة الثانية: استنكر الشيخ الفقي ما تقدم من كلام ابن القيم، وعدّه من باب الغلوّ في المشايخ وظنّ علم الغيب فيهم. ولا ريب أن الشيخ قد قال ما قال حفظاً لجانب التوحيد وسدًّا للباب على من يحتجّ بمثل هذا ترويجاً لمذاهب أهل الضّلالة. ولكن الأمر ليس على هذه الصورة، وابن القيم أجلّ من أن يغلو في شيخه غلوّ أهل الضلالة في شيوخهم، وإنما أراد أن يشير إلى ما أودعه الله سبحانه في شيخه من وفور العقل وحدّة الذكاء وسعة العلم ونور البصيرة، مما جعله بمحلّ قياس ما سيأتي على ما مضى وإلحاق النظير بنظيره وبالتالي حدس مصير هذا العالِم أو الحاكِم أو الدولة ومآلهم؛ فإن سنة الله في خلقه ثابتة لا تتبدّل ولا تتغيّر. ولذلك أودع ابن القيم هذه الأخبار في باب الفراسة لا في باب العلم اللدنّي أو المعرفة أو الكشف. والله أعلم.
قال مبارك: كلام شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم قد يفهم منه ما ذكره الأخ المفضال واحد من المسلمين، وقد يفهم منه مافهمه الشيخ عامر بن علي ياسين؛ ولا شك أن الفهم الثاني أولى بالصواب، مع أن الأولى تجنب مثل هذه الألفاظ الموهمة حفظاً لجانب التوحيد وسداً للباب على من يحتج بمثل هذا ترويجاً لمذاهب أهل الضّلالة، ومن يريد أن يعرف حقيقة هذا الأمر الخطير فلينظر كتاب " تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي " المبحث الثالث: الاعتقاد بأن الأولياء يعلمون الغيب (1/ 184 ـ220) تأليف محمد أحمد لوح ـ نشر دار ابن القيم و دار ابن عفان.
¥