إلى أن قال رحمه الله: وإنما قلنا إن هذا الضابط أولى من سائر تلك الضوابط المذكورة لوجوه
(أحدها (أنه المأثور عن السلف بخلاف تلك الضوابط فانها لا تعرف عن أحد من الصحابة والتابعين والأئمة ...
و قال كذلك: الثانى (أن الله قال (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما (فقد وعد مجتنب الكبائر بتكفير السيئات واستحقاق الوعد الكريم وكل من وعد بغضب الله أو لعنته أو نار أو حرمان جنة أو ما يقتضى ذلك فانه خارج عن هذا الوعد فلا يكون من مجتنبى الكبائر وكذلك من استحق أن يقام عليه الحد لم تكن سيئاته مكفرة عنه باجتناب الكبائر إذ لو كان كذلك لم يكن له ذنب يستحق أن يعاقب عليه والمستحق أن يقام عليه الحد له ذنب يستحق العقوبة عليه (الثالث (أن هذا الضابط مرجعه إلى ما ذكره الله ورسوله فى الذنوب فهو حد يتلقى من خطاب الشارع وما سوى ذلك ليس متلقى من كلام الله ورسوله بل هو قول رأى القائل وذوقه من غير دليل شرعى والرأى والذوق بدون دليل شرعى لا يجوز (الرابع (أن هذا الضابط يمكن الفرق به بين الكبائر والصغائر وأما تلك الأمور فلا يمكن الفرق بها بين الكبائر والصغائر لأن تلك الصفات لادليل عليها لأن الفرق بين ما اتفقت فيه الشرائع واختلفت لا يعلم أن لم يمكن وجود عالم بتلك الشرائع على وجهها وهذا غير معلوم لنا وكذلك (ما يسد باب المعرفة (هو من الأمور النسبية والاضافية قد يسد باب المعرفة عن زيد مالا يسد عن عمرو وليس لذلك حد محدود
(الخامس (أن تلك الأقوال فاسدة فقول من قال إنها ما اتفقت الشرائع على تحريمه دون ما اختلفت فيه يوجب أن تكون الحبة من مال اليتيم ومن السرقة والخيانة والكذبة الواحدة وبعض الاساءات الخفية ونحو ذلك كبيرة وأن يكون الفرار من الزحف ليس من الكبائر إذ الجهاد لم يجب فى كل شريعة وكذلك يقتضى أن يكون التزوج بالحرمات بالرضاعة والصهر وغيرهما ليس من الكبائر لأنه مما لم تتفق عليه الشرائع وكذلك إمساك المرأة بعد الطلاق الثلاث ووطؤها بعد ذلك مع اعتقاد التحريم
وكذلك من قال إنها ما تسد باب المعرفة او ذهاب النفوس والأموال يوجب أن يكون القليل من الغضب والخيانة كبيرة وان يكون عقوق الوالدين وقطيعة الرحم وشرب الخمر وأكل الميتة ولحم الخنزير وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ونحو ذلك ليس من الكبائر
ومن قال إنها سميت كبائر بالنسبة إلى ما دونها وأن ما عصى الله يجتنبون كبائر الاثم والفواحش الا اللمم قال (والذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون (وقال (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم (وقال (ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها (وقال (وكل صغير وكبير مستطر) والأحاديث كثيرة فى الذنوب الكبائر
ومن قال هى سبعة عشر فهو قول بلا دليل
ومن قال إنها مبهمة أو غير معلومة فانما أخبر عن نفسه انه لا يعلمها
ومن قال إنه ما توعد عليه بالنار قد يقال إن فيه تقصيرا إذ الوعيد قد يكون بالنار وقد يكون بغيرها وقد يقال إن كل وعيد فلابد أن يستلزم الوعيد بالنار
وأما من قال انها كل ذنب فيه وعيد فهذا يندرج فيها ذكره السلف فان كل ذنب فيه حد فى الدنيا ففيه وعيد من غير عكس فان الزنا والسرقة وشرب الخمر وقذف المحصنات ونحو ذلك فيها وعيد كمن قال إن الكبيرة ما فيها وعيد ... )
هذا ملخص لكلام شيخ الإسلام رحمه الله في تعريف الكبيرة و الفرق بينها و بين الصغيرة.
بعد إقرار هذا الأصل ننظر ما إلى ما ذكره الأخ من مسألة هل تدخل في حكم الكبائر أم الصغائر؟
ذكر الأخ الفاضل حديثا يدل على أنها من الصغائر و لننظر إلى لفظ الحديث و هل مناطه عين مناط الصور المحرمة الخليعة سواء كانت متحركة أو ثابته.
أخرج مسلم و ابن ماجه عن عبد الله: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني عالجت امرأة من أقصى المدينة فأصبت منها ما دون أن أمسها فأنا هذا فأقم علي ما شئت فقال عمر قد ستر الله عليك لو سترت على نفسك فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فانطلق الرجل فأتبعه النبي صلى الله عليه وسلم رجلا فدعاه فتلا عليه (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل) إلى آخر الآية فقال رجل من القوم يا رسول الله أله خاصة أم للناس كافة فقال للناس كافة).
¥