3 - وعلى هذا تكون القصة واهية وسندها تالف والخبر موضوع.
رابعًا: "قرائن تدل على عدم صحة القصة":
1 - لقد بوَّب الإمام البخاري في "صحيحه" في كتاب "مناقب الأنصار" بابًا برقم (35): "إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه" وتحت هذه الترجمة أخرج حديث (3865) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "لما أسلم عمر، اجتمع الناس عند داره وقالوا: صبأ عمر- وأنا غلام فوق ظهر بيتي- فجاء رجل عليه قباء من ديباج، فقال: قد صبأ عمر، فما ذاك فأنا له جار؟. قال: فرأيت الناس تصدعوا عنه، فقلت: من هذا؟ فقالوا: العاص بن وائل".
2 - وأورده الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (3 - 81) في إسلام عمر بن الخطاب: قال ابن إسحاق: وحدثني نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر قال: لما أسلم عمر قال: أي قريش أنقل للحديث؟ فقيل له: جميل بن معمر الجمحي. فغدا عليه. قال عبد الله: وغدوت أتبع أثره، وأنظر ما يفعل وأنا غلام أعقل كل ما رأيت، حتى جاءه فقال له: أعلمت يا جميل أني أسلمت ودخلت في دين محمد صلى الله عليه وسلم؟
قال: فوالله، ما راجعه حتى قام يجر رداءه، واتبعه عمر، واتبعته أنا، حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، وهم في أنديتهم حول الكعبة، ألا إن ابن الخطاب قد صبأ.
قال: يقول عمر من خلفه: كذب، ولكني قد أسلمت، وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وثاروا إليه فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم. قال: وطَلَح فقعد، وقاموا على رأسه وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله أن لو قد كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم، أو تركتموها لنا.
قال: فبينما هم على ذلك؛ إذ أقبل شيخ من قريش عليه حلة حبرة وقميص موشى، حتى وقف عليهم، فقال: ما شأنكم؟
فقالوا: صبأ عمر. قال: فمه؛ رجل اختار لنفسه أمرًا، فماذا تريدون؟ أترون بني عدي يسلمون لكم صاحبكم هكذا؟ خلوا عن الرجل.
قال: فوالله، لكأنما كانوا ثوبًا كُشِطَ عنه.
قال: فقلت لأبي بعد أن هاجر إلى المدينة: يا أبت، من الرجل الذي زَجَرَ القوم عنك بمكة يوم أسلمت وهم يقاتلونك؟
قال: ذاك أي بني، العاص بن وائل السهمي.
وهذا إسناد جيد قوي، وهو يدل على تأخر إسلام عمر؛ لأن ابن عمر عرض يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة، وكانت أُحد في سنة ثلاث من الهجرة، وقد كان مميزًا يوم أسلم أبوه، فيكون إسلامه قبل الهجرة بنحو من أربع سنين، وذلك بعد البعثة بنحو تسع سنين. والله أعلم.
قلت: وأورد هذه القصة أيضًا الحافظ ابن كثير في كتاب "السيرة النبوية" نقلاً عن ابن إسحاق ثم ذكر هذا التحقيق، وكذا ابن هشام في "السيرة النبوية" (1 - 437) (ح334) نقلاً أيضًا عن ابن إسحاق، وكذا ابن الأثير في "أسد الغابة" (4 - 150) نقلاً عن ابن إسحاق، وأخرجه الحاكم (3/ 85) من طريق ابن إسحاق، وقال: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي وكما بينا آنفًا قال ابن كثير: "وهذا إسناد جيد قوي".
قلت: ويزداد قوة بأن البخاري أخرجه (ح3864) من طريق أخرى عن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: "بينما هو- يعني عمر في الدار خائفًا ... " الحديث بلفظه كما بينا آنفًا.
خامسًا: "الصبر والثبات في الشدة- لا المظاهرات":
أخرج البخاري في "صحيحه" (ح3852) من حديث خباب بن الأرت قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة وهو في ظل الكعبة- وقد لقينا من المشركين شدة- فقلت: يا رسول الله، ألا تدعو الله لنا؟ فقعد وهو محمر وجهه، فقال: لقد كان من قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين، ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله".
قلت: وأخرج هذا الحديث أيضًا الإمام البخاري (ح3612) من حديث خباب وفيه قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "والله ليَتِمَّن هذا الأمُر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون". وفي الحديث (6943) "و" بدلاً من "أو".
¥