أما ما كان مقابل النعمة فمثل قوله تعالى {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} الأعراف43.
و قوله تعالى {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء} إبراهيم39
و قوله {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} الكهف1
و قوله {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} المؤمنون28.
و غيرها كثير من الآيات التي تدل على أن الحمد يكون مقابل النعمة.
و أما ما كان سببه كمال صفات الخالق و هو نوع مدح و ثناء على الله و إن لم يكن مقابل نعمة
قوله تعالى {وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} القصص70
قوله {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} النمل93
و قوله {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} التغابن1
وقوله {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الجاثية36
و قوله {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} غافر65
و الآيات في هذا المعنى كثيرة هي تدل على أن الله تعالى له كمال الحمد لكمال اسمائه و صفاته و أفعاله.
و من الأدلة كذلك على أن الله تعالى هو المحمود على كل حال لكمال أسمائه و صفاته فالله تعالى يحمد على تقديره المصائب و قضائه لها لأن الله تعالى جميع مقضياته فيها كمال الحكمة و كمال العدل و كمال العلم و كل هذه من الصفات المحمودة لذا الرب عز وجل هو المحمود على كل قضاء فمن اسمائه سبحانه الحميد أي المحمود لكمال صفاته و أسمائه و أفعاله فهو تعالى لا يتطرق له نقص بحال.
عن ابن عمر أنه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أخذ مضجعه الحمد لله الذي كفاني وآواني وأطعمني وسقاني والذي من علي فأفضل والذي أعطاني فأجزل الحمد لله على كل حال اللهم رب كل شيء ومليكه وإله كل شيء أعوذ بك من النار).
و الحديث عند أبي داود و قال عنه الألباني صحيح الإسناد.
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله على كل حال وليقل أخوه أو صاحبه يرحمك الله ويقول هو يهديكم الله ويصلح بالكم) و الحديث أخرجه كذلك أبو داود و صححه الألباني.
عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يحب قال الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وإذا رأى ما يكره قال الحمد لله على كل حال) و الحديث أخرجه ابن ماجه و حسنه الألباني.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (والحمد ضد الذم و الحمد يكون على محاسن المحمود مع المحبة له كما أن الذم يكون على مساويه مع البغض له).
و قال رحمه الله (وعلى هذا فكثير من الناس يقول الحمد أعم من الشكر من جهة أسبابه فانه يكون على نعمة و على غير نعمة و الشكر أعم من جهة أنواعه فانه يكون بالقلب و اللسان و اليد
فاذا كان كل مخلوق فيه نعمة لم يكن الحمد إلا على نعمة و الحمد لله على كل حال لأنه ما من حال يقضيها إلا و هي نعمة على عبادة لكن هذا فهم من عرف ما فى المخلوقات من النعم و الجهمية و الجبرية بمعزل عن هذا وكذلك كل ما يخلقه ففيه له حكمة فهو محمود عليه باعتبار تلك الحكمة و الجهمية أيضا بمعزل عن هذا
وكذلك القدرية الذين يقولون لاتعود الحكمة اليه بل ماثم إلا نفع الخلق فما عندهم إلا شكر كما ليس عند الجهمية إلا قدرة والقدرة المجردة عن نعمة و حكمة لا يظهر فيها و صف حمد كالقادر الذي يفعل مالا ينتفع به و لا ينفع به أحدا فهذا لايحمد
فحقيقة قول الجهمية أتباع جهم أنه لايستحق الحمد فله عندهم ملك بلا حمد مع تقصيرهم فى معرفة ملكه
كما أن المعتزلة له عندهم نوع من الحمد بلا ملك تام إذ كان عندهم يشاء مالا يكون و يكون مالا يشاء و تحدث حوادث بلا قدرته وعلى مذهب السلف له الملك و له الحمد تامين و هو محمود
على حكمته كما هو محمود على قدرته و رحمته وقد قال شهد الله أنه لا إله هو و الملائكة و أولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) فله الوحدانية في إلهيته و له العدل و له العزة و الحكمة
وهذه الأربعة إنما يثبتها السلف و أتباعهم فمن قصر عن معرفة السنة فقد نقص الرب بعض حقه
والجهمي الجبري لا يثبت عدلا و لا حكمة و لا توحيد إلهية بل توحيد ربوبيته
والمعتزلي أيضا لا يثبت فى الحقيقة توحيد إلهية و لا عدلا فى الحسنات و السيئات و لا عزة و لا حكمة فى الحقيقة و إن قال إنه يثبت الحكمة بما معناها يعود إلى غيره و تلك لا يصلح أن تكون حكمة من فعل لا لأمر يرجع اليه بل لغيره هو عند العقلاء قاطبة بها ليس بحكيم بل سفيه
وإذا كان الحمد لا يقع إلا على نعمة فقد ثبت أنه رأس الشكر فهو أول الشكر و الحمد و إن كان على نعمته و على حكمته فالشكر بالأعمال هو على نعمته و هو عبادة له لالهيته التى تتضمن حكمته فقد صار مجموع الأمور داخلا فى الشكر ولهذا عظم القرآن أمر الشكر و لم يعظم أمر الحمد مجردا إذ كان نوعا من الشكر .... ).
و الله أعلم.
¥