فأما إن نوى التحليل من لا فرقة بيده مثل أن ينوي الفرقة الزوج المطلق ثلاثا أو تنويها المرأة فقط أعنى إذا نوت أن الزوج يطلقها , فقد قال حرب الكرماني: سئل أحمد عن التحليل إذا هم أحد الثلاثة بالتحليل , فقال أحمد: كان الحسن وإبراهيم والتابعون يشددون في ذلك , وقال أحمد الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة}. يقول أحمد إنها كانت همت بالتحليل ونية المرأة ليس بشيء. إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {لعن الله المحلل والمحلل له} , وليس نية المرأة بشيء
فقد نص الإمام أحمد على أن نية المرأة لا تؤثر وكذلك قال أصحابه , وكذلك قال مالك لا يجوز أن يتزوجها ليحلها علمت هي أو زوجها الأول أو لم يعلما , وإن اعتقدت المرأة على التحليل وسألته لما دخل الطلاق أو خالعته بمال جاز. قال مالك: لا يضر الزوج ما نوت الزوجة ; لأن الطلاق بيده دونها قال أصحابه المعنى المؤثر في إفساد النكاح مختص به الزوج الثاني , سواء فيه واطأهما أو أحدهما أو تفرد بذلك ونوى الإحلال والطلاق أخذ عليه أجرا أم لم يأخذ , فإذا لم يواطئ الزوج الثاني ولا نوى فهو نكاح رغبة ويحلها , وإن كان الزوج الأول والمرأة قد تواطآ على ذلك أو دسا إليه أن يتزوجها أو بذلا له مالا كل ذلك غير مؤثر , سواء علم بالطلاق الأول أم لا.
وقال الحسن والنخعي وغيرهما: إذا هم أحد الثلاثة فهو نكاح محلل , ويروى ذلك عن ابن المسيب ولفظ إبراهيم النخعي إذا كانت نية أحد الثلاثة الزوج الأول أو الزوج الثاني أو المرأة أنه محلل فنكاح هذا الأخير باطل ولا تحل للأول ,
ووجه هذا أن المرأة إذا نكحت الرجل وليست هي راغبة فيه فليست هي ناكحة كما تقدم , بل هي مستهزئة بآيات الله متلاعبة بحدود الله , وهي خادعة للرجل ماكرة به , وهي إن لم تملك الانفراد بالفرقة فإنها تنوي التسبب فيه على وجه تحصل به غالبا بأن تنوي الاختلاع منه وإظهار الزهد فيه وكراهته وبغضه , وذلك مما يبعثه على خلعها أو طلاقها , ويقتضيه في الغالب , ثم إن انضم إلى ذلك أن تنوي النشوز عنه , وفعل ما يكره لها , وترك ما ينبغي لها , فهذا أمر محرم وهو موجب للفرقة في العادة , فأشبه ما لو نوت ما يوجب الفرقة شرعا , وإن لم تنو فعل محرم ولا ترك واجب , فهي ليست مريدة له , ومثل هذه في مظنة أن لا تقيم حدود الله معه , ولا يلتئم مقصود النكاح بينهما , فيفضي إلى الفرقة غالبا , وأيضا فإن النكاح عقد يوجب المودة بين الزوجين والرحمة كما ذكره الله سبحانه في كتابه , ومقصوده السكن والازدواج , ومتى كانت المرأة من حين العقد تكره المقام معه وتود فرقته لم يكن النكاح معقودا على وجه يحصل به مقصوده.
وأيضا فإن الله سبحانه قال {فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله} فلم يبح إلا نكاحا يظن فيه أن يقيم حدود الله ومثل هذه المرأة لا تظن أن تقيم حدود الله ; لأن كراهيتها له تمنع هذا الظن , ولأن المرأة تستوفي منافع الزوج بالنكاح كما يستوفي الرجل منافعها , وإذا كانت إنما تزوجت لتفارقه وتعود إلى الأول لا لتقيم معه لم تكن قاصدة للنكاح ولا مريدة له , فلا يصلح هذا النكاح على قاعدة إبطال الحيل , وأما نية المطلق ثلاثا فيشبه والله أعلم أن يكون هؤلاء التابعون إنما قالوا إنه يكون النكاح بها تحليلا , إذا كان هو الذي يسعى في النكاح , فأراد بذلك أن تختلع المرأة بعد ذلك من زوجها , فإن هذا حرام لما أنه خدع رجلا مسلما , وهو قد سعى في عقد يريد إفساده على صاحبه , أو يشبه ما لو كان قد زوجها من عبده , يريد أن يملكها إياه , وهي لم تشعر بذلك , ثم يحتمل أنهم أرادوا أن النكاح باطل في حق الأول , بمعنى أنها لا تحل أن تعود إلى الأول بمثل هذا النكاح ; لأنه قصد تعجيل ما أجله الله فيعاقب بنقيض قصده , وقد يشبه هذا ما لو تسبب رجل في الفرقة بين رجل وامرأته ليطلقها , إما بأن يخببها عليه حتى تبغضه وتختلع منه , أو يشينها عنده ببهتان أو غيره حتى يطلقها , أو أن يقتله ونحو ذلك.
¥