تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وانطلاقا من هذه المهمة العظيمة الموكولة له وما تحمله من مهام جسام تحتاج إلى حرية كبيرة وقدرة واسعة على التحرك وألا يضيق عليه المجال فيه، فإن الشريعة قد أتاحت له كل ما يمكن عمله من فعل أو قول أو تصرف في سبيل القيام بالمهمة الجليلة، التي يتحقق بالقيام بها تحقيق مقاصد الدين من الفلاح في الدنيا والسعادة في الآخرة، وقد كان من سعة الحركة التي أعطتها الشريعة لولي الأمر الملتزم بأحكام الشريعة أن وكلت إليه تدبير كثير من الأمور الاجتهادية وفق اجتهاده الذي توصل إليه بعد النظر السليم والبحث والتحري واستشارة أهل العلم الأمناء وأهل الخبرة العدول، في القيام بتصرف ما، سواء كان هذا التصرف منعا أو نهيا أو تقييدا أو إلزاما بأمر من الأمور، ولا قيد عليه في تصرفه ذاك إلا التزامه بالشرع وعدم مخالفته لنصوصه، ولقد كان من القواعد التي قررها أهل العلم في ذلك الباب أن "تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة" [1]،: "مفاد القاعدة: أن تصرف الأمام وكل من ولي شيئا من أمور المسلمين يجب أن يكون مقصودا به المصلحة العامة، أي بما فيه نفع لعموم من تحت أيديهم وما لم يكن كذلك لم يكن صحيحا ولا نافذا شرعا" [2]، فمتى كانت هناك مصلحة عامة جامعة لشرائطها فإن تصرف الإمام بناء على ذلك تصرف شرعي صحيح ينبغي إنفاذه والعمل به، ولا يصلح التحيل للتخلص منه.

وقد أخذ البعض من هذه القاعدة أن لولي الأمر المسلم سلطة تقييد المباح، أو الإلزام به، ولما كان تقييد المباح أو الإلزام به يشابه التشريع من بعض الوجوه لزم معرفة الضوابط التي ينبغي اتباعها والمحافظة عليها كيلا يفضي ذلك إلى إعطاء حق التشريع لغير الله تعالى، فيحرم ما أحل الشرع انطلاقا من حقه في المنع أو التقييد ويوجب ما لم يوجبه الشرع انطلاقا من حقه في الإلزام، فإن المباح ينبغي أن يظل مباحا كما شرعه الله تعالى لا ينهى عنه أو يقيد، ولا يؤمر به أمر إيجاب وإلزام، وفي محاولة معرفة هذه الضوابط نلجأ إلى النصوص الشرعية وتصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين التي يمكن من خلالها الوصول إلى ذلك

المباح نوعان: النوع الأول مباح ثابت بالنص عليه في النصوص الشرعية كقوله تعالى في إباحة البيع: "وأحل الله البيع وحرم الربا" وقوله تعالى في إباحة الأكل: "كلوا من طيبات ما رزقناكم" وقوله في إباحة التعدد: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء" وقوله في إباحة الطلاق: "إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن"، ونحو ذلك.

والنوع الثاني: مباح ثابت باستصحاب البراءة الأصلية أو الإباحة العامة المستفادة من عدة نصوص كقوله تعالى "هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا"، وقوله تعالى: "وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه" ونحو ذلك من النصوص، ويقول العلماء في هذا النوع: الأصل في الأمور العادية الإباحة، فمباح للإنسان أن يسكن في بيت بالإيجار، ومباح له أن يتملك مسكنا، ومباح له أن يكون المسكن من دور واحد أو من عدة أدوار، ومباح له أن ينتقل من مكان إلى مكان ماشيا، ومباح له أن ينتقل راكبا وهكذا، وكل هذه الإباحات ثابتة باستصحاب البراءة الأصلية ليست ثابتة بنص معين

الحالة الأولى: المباح الثابت بالنص: فإذا كان المباح ثابتا بالنص فتقييده أو الإلزام به تغيير للشريعة، لأن ما نص الكتاب والسنة على إباحته نصا لم يجز لأحد أن يقيده أو يوجبه، لأن في ذلك محادة ومشاقة لله ورسوله، ومناقضة لما شرعه الله تعالى، فقد تبين من مجموع النصوص الشرعية أن التشريع إنما هو لله تعالى وحده قال تعالى: "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك من قبل وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه"، وقال تعالى: "أم لهم شركاء شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله" وسواء في ذلك ما جاء النص عليه في الكتاب أو السنة؛ لأن السنة وحي وهي مثل القرآن من هذه الحيثية قال صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه" [3] فالله تعالى قد شرع ما شرع على صفة معينة وهو يعلم ما شرع ويريد أن يبقى الأمر على ما شرعه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير