تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فمن أمثلة المباح بالنص حل البيع، فقد أحل الله تعالى البيع في قوله تعالى: "وأحل الله البيع وحرم الربا" فالبيع مباح بالنص فلا يملك أحد أن يقيده بأي قيد كان كأن يقيد التبايع بأنواع معينة وأنواع أخرى لا يكون فيها البيع، أو يقيد البيع بزمان كأن يقول يكون البيع يوم كذا ويوم كذا وساعة كذا وساعة كذا من كل أسبوع ويمنع ما سوى ذلك، أو يقيد البيع بمكان فيقول: لا يكون البيع إلا في مكان كذا ومكان كذا، ويمنع ما سوى ذلك، وكما لا يجوز التقييد فلا يجوز إيجاب البيع أو الإلزام به، كأن يجبر التجار على بيع ما لديهم من سلع، فإن الله تعالى قد أحل البيع بوصف العموم والإطلاق وتقييده أو الإلزام به مناف لذلك، لكن هناك حالات تبدو صورتها صورة تقييد المباح أو الإلزام به في هذا الجانب الثابت بالنص، وهي ليست كذلك، وإنما هي من باب تعارض تحقيق بعض الأحكام الشرعية الثابتة في بعض الظروف والأحوال، فيعمل ولي الأمر على تحقيق أولى الأمرين بذلك وإن أدى لفوات الآخر

فإذا أخذ القيد أو الإلزام في المباح بالنص صورة الأمر العام بحيث لا يكون مختصا بظرف أو حالة ألجأت إليه، كفوات مصلحة عامة أو حدوث ضرر عام، كان هذا التصرف من قبيل التشريع العام، وهذا ليس من صلاحية البشر، ومن شأن الظروف والأحوال التي تمر بالناس والمجتمعات ألا تكون دائمة وإنما تنتهي بعد فترة قد تطول أو تقصر، ولذا ينبغي أن يكون التقييد أو الإلزام متعلقا بذلك الظرف أو تلك الحالة يوجد بوجودها ويزول بزوالها، فإذا زال الظرف أو الحالة زال التقييد والإلزام، وأما التقييد أو الإلزام الذي لا يستند إلى ظرف ملجئ إليه فهو تشريع وليس ذلك من صلاحية ولي الأمر المسلم أو غيره، ولو قدر أنه حدث فلا يكون واجب النفاذ ولا تجب طاعته فيه.

ومن الأمثلة على ذلك أيضا مسألة تعدد الزوجات، فهو أمر مشروع بالنص: الكتاب والسنة والإجماع، فإذا قيل مثلا: إن تعدد الزوجات مباح وإن لولي الأمر أن يقيد هذا المباح، فلو أصدر ولي الأمر قانونا بناء على ذلك يمنع التعدد بصفة عامة، وإن زعم أن من وراء هذا مصلحة عامة أو نحو ذلك، كان هذا من التشريع الذي لا ينبغي له ولا يقبل منه، بعكس ما لو قدر أنه حصل تناقص في عدد النساء بالنسبة للرجال بحيث لم يصبح لكل رجل زوجة، (مع أن هذا غير وارد لأن النساء تكثر والرجال يقلون، وإنما هو من قبيل الشرح والتوضيح) فهنا قد تعارض أمران: الحكم بإباحة التعدد، وحق كل رجل في أن تكون له زوجة حتى لا تنتشر الفواحش ويعم الفساد، فلو أصدر ولي الأمر قرارا بمنع التعدد وربطه بتلك الحالة الطارئة لم يحمل هذا على التشريع الدائم المخالف لشرع الله تعالى الممنوع منه كل أحد أميرا كان أو عالما، بل حمل على التقييد الطارئ المرتبط بالظرف أو الحالة التي ألجأت إليه.

وإذا لم يكن لولي الأمر تقييد الزواج بعدد، فليس له أيضا تقييده بصفة كأن يمنع زواج المرأة الحاصلة على مؤهل جامعي برجل أدنى منها في المؤهل الدراسي أو العكس، أو يمنع التزاوج بين أهل القرى وأهل المدن ونحو ذلك من التقييدات، وكذلك الأمر في الإلزام فلا يملك أحد أن يصدر قانونا عاما ملزما لكل رجل أو امرأة بالزواج لأن في هذا إيجاب لما لم يوجبه الشرع، وفي مقابل الزواج الطلاق ومع أن الطلاق تترتب عليه أمور كثيرة غير مرغوب فيها، إلا أن الشرع أباحه لما في حصوله من دفع ضرر كثير ليس هنا موضع تفصيله، والطلاق مباح بالنص فلا يملك ولي الأمر أن يقيده بصفة أو يمنعه منعا عاما فإن هذا القيد أو المنع تشريع لا يقبل منه ولا من غيره، وإن زعم أن من وراء ذلك مصلحة إذ لا مصلحة فيما يخالف المنصوص عليه، والذي شرع هذا الحكم وأباحه أعلم من كل أحد بالمصالح والمضار سبحانه وتعالى وهو بكل شيء عليم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير