أم رأسه بيديه ويثب وثبات الدعباب ويدور دوران الحمار حول الدولاب ويصفق بيديه تصفيق النسوان ويخور من الوجد ولا كخوار الثيران وتارة يتأوه تأوه الحزين وتارة يزعق زعقات المجانين ولقد صدق الخبير به من أهله حيث يقول:
أتذكر ليلة وقد اجتمعنا % على طيب السماع إلى الصباح
ودارت بيننا كأس الأغاني % فأسكرت النفوس بغير راح
فلم تر فيهم إلا نشاوى % سرورا والسرور هناك صاحي
إذا نادى أخو اللذات فيه % أجاب اللهو: حى على السماح
ولم نملك سوى المهجات شيئا % أرقناها لألحاظ الملاح
وقال بعض العارفين: السماع يورث النفاق في قوم والعناد في قوم والكذب في قوم والفجور في قوم والرعونة في قوم
كتاب إغاثة اللهفان، الجزء 1، صفحة 249.
وأكثر ما يورث عشق الصور واستحسان الفواحش وإدمانه يثقل القرآن على القلب ويكرهه إلى سماعه بالخاصية وإن لم يكن هذا نفاقا فما للنفاق حقيقة
وسر المسألة: أنه قرآن الشيطان كما سيأتي فلا يجتمع هو وقرآن الرحمن في قلب أبدا وأيضا فإن أساس النفاق: أن يخالف الظاهر الباطن وصاحب الغناء بين أمرين إما أن يتهتك فيكون فاجرا أو يظهر النسك فيكون منافقا فإنه يظهر الرغبة في الله والدار الآخرة وقلبه يغلي بالشهوات ومحبة ما يكرهه الله ورسوله: من أصوات المعازف وآلات اللهو وما يدعو إليه الغناء ويهيجه فقلبه بذلك معمور وهو من محبة ما يحبه الله ورسوله وكراهة ما يكرهه قفر وهذا محض النفاق
وأيضا فإن الإيمان قول وعمل: قول بالحق وعمل بالطاعة وهذا ينبت على الذكر وتلاوة القرآن والنفاق قول الباطل وعمل البغى وهذا ينبت على الغناء
وأيضا فمن علامات النفاق: قلة ذكر الله والكسل عند القيام إلى الصلاة ونقر الصلاة وقل أن تجد مفتونا بالغناء إلا وهذا وصفه وأيضا: فإن النفاق مؤسس على الكذب والغناء من أكذب الشعر فإنه يحسن القبيح ويزينه ويأمر به ويقبح الحسن ويزهد فيه وذلك عين النفاق
وأيضا فإن النفاق غش ومكر وخداع والغناء مؤسس على ذلك
وأيضا فإن المنافق يفسد من حيث يظن أنه يصلح كما أخبر الله سبحانه بذلك عن المنافقين وصاحب السماع يفسد قلبه وحاله من حيث يظن أنه يصلحه والمغنى يدعو القلوب إلى فتنة الشهوات والمنافق يدعوها إلى فتنة الشبهات قال الضحاك: الغناء مفسدة للقلب مسخطة للرب
وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى مؤدب ولده: ليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي التي بدؤها من الشيطان وعاقبتها سخط الرحمن فإنه بلغني عن الثقات من أهل العلم: أن صوت المعازف واستماع الأغاني واللهج بها ينبت النفاق في القلب كما ينبت العشب على الماء
كتاب إغاثة اللهفان، الجزء 1، صفحة 250.
فالغناء يفسد القلب وإذا فسد القلب هاج فيه النفاق
وبالجملة فإذا تأمل البصير حال أهل الغناء وحال أهل الذكر والقرآن تبين له حذق الصحابة ومعرفتهم بأدواء القلوب وأدويتها وبالله التوفيق
فصل وأما تسميته قرآن الشيطان
فمأثور عن التابعين وقد روى في حديث مرفوع قال قتادة: لما أهبط إبليس قال: يا رب لعنتني فما عملي قال: السحر قال: فما قرآني قال: الشعر قال: فما كتابي قال: الوشم قال: فما طعامي قال: كل ميتة وما لم يذكر اسم الله عليه قال: فما شرابي قال: كل مسكر قال: فأين مسكني قال: الأسواق قال: فما صوتي قال: المزامير قال: فما مصايدي قال: النساء
هذا والمعروف في هذا وقفه وقد رواه الطبراني في معجمه من حديث أبي أمامة مرفوعا إلى النبي
وقال ابن أبي الدنيا في كتاب مكايد الشيطان وحيله: حدثنا أبو بكر التميمي حدثنا ابن أبي مريم حدثنا يحيى بن أيوب قال حدثنا ابن زجر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن رسول اللهقال: إن إبليس لما أنزل إلى الأرض قال: يا رب أنزلتني إلى الأرض وجعلتني رجيما فاجعل لي بيتا قال: الحمام قال: فاجعل لي مجلسا قال: الأسواق ومجامع الطرقات قال: فاجعل لي طعاما قال: كل ما لم يذكر اسم الله عليه قال: فاجعل لي شرابا قال: كل مسكر قال: فاجعل لي مؤذنا قال: المزمار قال: فاجعل لي قرآنا قال: الشعر قال: فاجعل لي كتابا قال: الوشم قال: فاجعل لي حديثا قال: الكذب قال: فاجعل لي رسلا قال: الكهنة قال: فاجعل لي مصايد قال: النساء وشواهد هذا الأثر كثيرة فكل جملة منه لها شواهد من السنة أو من القرآن
¥