فروى الترمذي من حديث ابن أبي ليلى عن عطاء عن جابر رضي الله عنه قال: خرج رسول اللهمع عبدالرحمن بن عوف إلى النخل فإذا ابنه ابراهيم يجود بنفسه فوضعه في حجره ففاضت عيناه فقال عبدالرحمن: أتبكي وأنت تنهى الناس قال: إني لم أنه عن البكاء وإنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة: لهو ولعب ومزامير شيطان وصوت عند مصيبة: خمش وجوه وشق جيوب ورنة وهذا هو رحمة ومن لا يرحم لا يرحم لولا أنه أمر حق ووعد صدق وأن آخرنا سيلحق أولنا لحزنا عليك حزنا هو أشد من هذا وإنا بك لمحزونون تبكي العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب قال الترمذي:. هذا حديث حسن.
فانظر إلى هذا النهي المؤكد بتسميته صوت الغناء صوتا أحمق ولم يقتصر على ذلك حتى وصفه بالفجور ولم يقتصر على ذلك حتى سماه من مزامير الشيطان وقد أقر النبيأبا بكر الصديق على تسمية الغناء مزمور الشيطان في الحديث الصحيح كما سيأتي فإن لم يستفد التحريم من هذا لم نستفده من نهي أبدا
وقد اختلف في قوله: لا تفعل وقوله نهيت عن كذا أيهما أبلغ في التحريم
كتاب إغاثة اللهفان، الجزء 1، صفحة 25
والصواب بلا ريب: أن صيغة نهيت أبلغ في التحريم لأن لا تفعل يحتمل النهي وغيره بخلاف الفعل الصريح
فكيف يستحيز العارف إباحة ما نهى عنه رسول الله وسماه صوتا أحمق فاجرا ومزمور الشيطان وجعله والنياحة التي لعن فاعلها أخوين وأخرج النهي عنهما مخرجا واحدا ووصفهما بالحمق والفجور وصفا واحدا
وقال الحسن: صوتان ملعونان: مزمار عند نغمه ورنة عند مصيبة
وقال أبو بكر الهذلي: قلت للحسن: أكان نساء المهاجرات يصنعن ما يصنع النساء اليوم قال: لا ولكن ههنا خمش وشق جيوب ونتف أشعار ولطم خدود ومزامير شيطان صوتان قبيحان فاحشان: عند نغمة إن حدثت وعند مصيبة إن نزلت ذكر الله المؤمنين فقال: والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم [المعارج: 24] وجعلتم أنتم في أموالكم حقا معلوما للمغنية عند النغمة والنائحة عند المصيبة
فصل وأما تسميته صوت الشيطان
فقد قال تعالى للشيطان وحزبه اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاءكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا [الاسراء: 63]
قال ابن أبي حاتم في تفسيره: حدثنا أبي أخبرنا أبو صالح كاتب الليث حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس واستفزز من استطعت منهم بصوتك [الاسراء: 63] قال: كل داع إلى معصية
ومن المعلوم أن الغناء من أعظم الدواعي إلى المعصية ولهذا فسر صوت الشيطان به
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي أخبرنا يحيى بن المغيرة أخبرنا جرير عن ليث عن مجاهد
كتاب إغاثة اللهفان، الجزء 1، صفحة 255.
واستفزز من استطعت منهم بصوتك [الاسراء: 63] قال: استزل منهم من استطعت قال وصوته الغناء والباطل
وبهذا الإسناد إلى جرير عن منصور عن مجاهد قال: صوته هو المزامير
ثم روى بإسناده عن الحسن البصري قال: صوته هو الدف
وهذه الإضافة إضافة تخصيص كما أن إضافة الخيل والرجل إليه كذلك فكل متكلم بغير طاعة الله ومصوت بيراع أو مزمار أو دف حرام أو طبل فذلك صوت الشيطان وكل ساع في معصية الله على قدميه فهو من رجله وكل راكب في معصية الله فهو خيالته كذلك قال السلف كما ذكر ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: رجله كل رجل مشت في معصية الله
وقال مجاهد: كل رجل يقاتل في غير طاعة الله فهو من رجله
وقال قتادة: إن له خيلا ورجلا من الجن والإنس
فصل وأما تسميته مزمور الشيطان ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها
قالت: دخل على النبيوعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه ودخل أبو بكر رضي الله عنه فانتهرني وقال: مزمار الشيطان عند النبي فأقبل عليه رسول الله فقال: دعهما فلما غفل غمزتهما فخرجتا
كتاب إغاثة اللهفان، الجزء 1، صفحة 256.
ـ[إسلام بن منصور]ــــــــ[15 - 08 - 04, 06:40 م]ـ
جزاكم الله خيرا، ولكن هل من رد تفصيلي على شبههم، بمعنى ذكر الشبهه ثم الرد، مع الصبر عليهم ومناقشتهم بهدوء، كما كان يفعل ابن تيمية رحمه الله مع مخالفيه وإن كانت حجته واهنة.
ـ[أبوعمرو المصري]ــــــــ[15 - 08 - 04, 06:58 م]ـ
الحمد لله وبعد:
¥