فقد قال تعالى للشيطان وحزبه اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاءكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا [الاسراء: 63] قال ابن أبي حاتم في تفسيره: حدثنا أبي أخبرنا أبو صالح كاتب الليث حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس واستفزز من استطعت منهم بصوتك [الاسراء: 63] قال: كل داع إلى معصية ومن المعلوم أن الغناء من أعظم الدواعي إلى المعصية ولهذا فسر صوت الشيطان به قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي أخبرنا يحيى بن المغيرة أخبرنا جرير عن ليث عن مجاهد
واستفزز من استطعت منهم بصوتك [الاسراء: 63] قال: استزل منهم من استطعت قال وصوته الغناء والباطل وبهذا الإسناد إلى جرير عن منصور عن مجاهد قال: صوته هو المزامير ثم روى بإسناده عن الحسن البصري قال: صوته هو الدف وهذه الإضافة إضافة تخصيص كما أن إضافة الخيل والرجل إليه كذلك فكل متكلم بغير طاعة الله ومصوت بيراع أو مزمار أو دف حرام أو طبل فذلك صوت الشيطان وكل ساع في معصية الله على قدميه فهو من رجله وكل راكب في معصية الله فهو خيالته كذلك قال السلف كما ذكر ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: رجله كل رجل مشت في معصية الله وقال مجاهد: كل رجل يقاتل في غير طاعة الله فهو من رجله وقال قتادة: إن له خيلا ورجلا من الجن والإنس
فصل وأما تسميته مزمور الشيطان
ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل على النبيوعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه ودخل أبو بكر رضي الله عنه فانتهرني وقال: مزمار الشيطان عند النبي فأقبل عليه رسول الله فقال: دعهما فلما غفل غمزتهما فخرجتا
فلم ينكر رسول الله على أبي بكر تسمية الغناء مزمار الشيطان وأقرهما لأنهما جاريتان غير مكلفتين تغنيان بغناء الأعراب الذي قيل في يوم حرب بعاث من الشجاعة والحرب وكان اليوم يوم عيد فتوسع حزب الشيطان في ذلك إلى صوت امرأة جميلة أجنبية أو صبي أمرد صوته فتنة وصورته فتنة يغني بما يدعو إلى الزنى والفجور وشرب الخمور مع آلات اللهو التي حرمها رسول الله في عدة أحاديث كما سيأتي مع التصفيق والرقص وتلك الهيئة المنكرة التي لا يستحلها أحد من أهل الأديان فضلا عن أهل العلم والإيمان ويحتجون بغناء جوير يتين غير مكلفتين بنشيد الأعراب ونحوه في الشجاعة ونحوها في يوم عيد بغير شبابة ولا دف ولا رقص ولا تصفيق ويدعون المحكم الصريح لهذا المتشابه وهذا شأن كل مبطل نعم نحن لا نحرم ولا نكره مثل ما كان في بيت رسول اللهعلى ذلك الوجه وإنما نحرم نحن وسائر أهل العلم والإيمان السماع المخالف لذلك وبالله التوفيق
فصل وأما تسميته بالسمود
فقد قال تعالى: أفمن هكذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون [النجم: 59] قال عكرمة عن ابن عباس: السمود: الغناء في لغة حمير يقال: اسمدى لنا أي غنى لنا وقال أبو زبيد:
وكأن العزيف فيها غناء = للندامى من شارب مسمود
قال أبو عبيدة: المسمود: الذي غنى له وقال عكرمة: كانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا فنزلت هذه الآية وهذا لا يناقض ما قيل في هذه الآية من أن السمود الغفلة والسهو عن الشيء قال المبرد: هو الاشتغال عن الشيء بهم أو فرح يتشاغل به وأنشد:
رمى الحدثان نسوة آل حرب = بمقدار سمدن له سمودا
وقال ابن الأنباري: السامد اللاهي والسامد الساهي والسامد المتكبر والسامد القائم وقال ابن عباس في الآية: وأنتم مستكبرون وقال الضحاك أشرون بطرون وقال مجاهد: غضاب مبرطمون وقال غيره: لا هون غافلون معرضون فالغناء يجمع هذا كله ويوجبه فهذه أربعة عشر اسما سوى اسم الغناء
فصل في بيان تحريم رسول الله الصريح لآلات اللهو والمعازف وسياق الأحاديث في ذلك:
¥