5 قوله: " ومثل ذلك الموسيقى "! فأقول: هذا قياس، وهو يدل على أن الشيخ كتلميذه الغزالي يرفض الأحاديث المحرِّمة لآلات الطرب، ومنها حديث البخاري الآتي (ص 38)، أو أنه يقبلها، ولكنه لا يُحسن القياس، لأنه لا قياس في مورد النص كما يقول علماء الأصول، وهذا ما أستبعده، كيف لا وقد ألَّف في " أصول الفقه "، أو أنه من (العقلانيين) كتلميذه لا يقف أمامه أصل ولا فرع، لا حديث ولا فقه، إنما هي الأهواء تتجارى. . ومع ذلك يقول فيه الزركلي رحمه الله في كتابه " الأعلام ": " أكبر علماء الشريعة الإسلامية في عصره "!!
6 قال: ". . فريقاً يميل إلى الاستماع. . كالحسن البصري، وفريقاً لا يميل إليه كالشعبي "!
كذا قال الشيخ غفر الله له جعل الغناء المحرَّم قضية ذوقية محضة مثل كل المباحات، كالأطعمة والأشربة، من شاء فعل، ومن شاء ترك، ولم يكتف بهذا، بل نسب إلى السلف خلاف الثابت عنهم، فالحسن البصري بريء مما نسب إليه، فقد روى ابن أبي الدنيا في " ذم الملاهي " (رقم 62 و 63 منسوختي) بإسنادين عنه قال:
" صوتان ملعونان: مزمار عند نعمة، ورنَّة عند مصيبة ".
وقد صحّ هذا مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في الرسالة إن شاء الله تعالى: (الحديث الثاني) (ص 51).
وأما الشعبي، فقد روى ابن أبي الدنيا أيضاً (رقم 55) بسند صحيح عنه:
أنه كره أجر المغنية!
وروى (رقم 45) بسند صحيح عن القاسم بن سلمان وثقه ابن حبَّان عنه قال:
" لعن المغني والمغنى له ".
وروى ابن نصر في " قدر الصلاة " (ق 151/ 2) بسند جيد عنه قال:
" إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع، وإن الذكر ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء الزرع ".
فهل مثل هذا وذاك يقوله الشعبي بميله الشخصي؟! فاللهم هداك.
وأما قوله: " فمن المتفق عليه. . " فقد ظهر بطلانه مما سبق فلا نطيل الكلام بالرد عليه.
وفي غرة شهر شعبان من سنة (1375)، أوقفني بعض الإخوان على مجموعة " رسائل ابن حزم الأندلسي " بتحقيق الدكتور إحسان رشيد عباس في جملتها " رسالة في الغناء الملهي أمباح هو أم محظور؟ " ذهب فيها إلى إباحة الغناء وآلات الطرب على اختلاف أنواعها، فتصورت مبلغ الأثر السيئ الذي سيكون لهذه الرسالة في قلوب قرّائها من الخاصة وطلاب العلم، فضلاً عن العامة، وذلك لأمرين:
الأول: شهرة ابن حزم العلمية في العالم الإسلامي، وإن كان ظاهري المذهب، لا يأخذ بالقياس، خلافاَ للأئمة الأربعة وغيرهم.
والآخر: غلبة الهوى على أكثر الناس، فإذا رأوا مثل هذا الإمام يذهب إلى إباحة ما يتفق مع أهوائهم، لم يصدهم شيء بعد ذلك عن اتباع أهوائهم، بل قد يجدون في ما يسمعون من بعض المشايخ ما يسوغ لهم تقليدهم إياه، كقولهم: " من قلد عالماً لقي الله سالماً "! وبعضهم يتوهمه حديثاً، ولا أصل له، وإن كان ابن حزم رحمه الله ينهى عن التقليد، ويحرمه أشد التحريم.
يضاف إلى ذلك قلة العلماء الناصحين الذين يذكرون الناس بالحكم الصحيح في هذه المسألة، والأحاديث الصحيحة الواردة فيها، وكثرة ما يكتب ويذاع مخالفاً لها، فيتوهمون أن ما قاله ابن حزم صحيح، ولا سيما وهم يقرؤون لبعض العلماء المعاصرين فتاوى تؤيد مذهبه، وتنشر في بعض المجلات الإسلامية السيّارة، أو تذاع بالتلفاز في بعض البلاد العربية.
ومن ذلك مقال آخر نشرته مجلة " الإخوان المسلمون " أيضاً في العدد (5) تحت عنوان " الموسيقى الإسلامية "! جاء فيه:
" و (السمفونية) هي: أرقى ما وصل إليه عباقرة الموسيقى أمثال " بيتهوفن " و " شورب " و " موزار " و " تشايكوفسكي "، وهي تعبير عن عواطف وإحساسات تنعكس من الطبيعة أو الإنسان، ويجمع لها أكبر عدد من العازفين المهرة بأحدث الآلات على اختلافها، حتى يكون التعبير أقرب إلى الحقيقة بقدر الإمكان. وقد تألفت فرق ل (السمفونية) المصريّة تضم أكثر من ثلاثين عازفاً ساعدتهم جمعيّة الشبّان المسيحيّة (!) وعزفت في (الجامعة الأمريكيّة) (!) فما أجدرنا بهذا، وما أحوجنا إلى داعية (!) من نوع جديد، سوف يكون فتحاً في عالم الموسيقى وتقدماً عالمياً لها، وحينئذ يبرز لون فريد يسيطر على أفئدة العالم، هو " الموسيقى الإسلامية " (!) بدلاً من الموسيقى
¥