تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الشرقية. . "!

قلت: فهذا من أكبر الأدلّة على أن استباحة الآلات الموسيقيّة قد فشت بين المسلمين حتى اللذين ينادون منهم بإعادة مجد المسلمين، وإقامة دولة الإسلام، كالإخوان المسلمين مثلاً، ولولا ذاك لما استجازت مجلتهم أن تنشر هذا المقال الصريح في استحلال ما حرّم الله من الموسيقى، بل والدعوة إليها، وليس هذا فقط، بل وسماها " الموسيقى الإسلامية " على وزن " الاشتراكية الإسلاميّة " و " الديموقراطية الإسلاميّة وغيرها مما يصدق عليها قوله تبارك وتعالى: (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان)، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى شيء من ذلك بقوله: " ليستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها " وفي رواية: يسمونها بغير اسمها ". وهو مخرج في " الصحيحة " (90) وسيأتي (ص 86).

وإني لأخشى أن يزداد الأمر شدة، فينسى النّاس هذا الحكم، حتّى إذا ما قام أحد ببيانه، أنكر ذلك عليه، ونسب إلى التشدد والرّجعيّة، كما جاء في حديث عبد الله ابن مسعود رضي الله تعالى عنه:

" كيف أنتم إذا لبستكم فتنة؛ يهرم فيها الكبير، ويربو فيها الصغير، ويتخذها النّاس سنة، فإذا غيرت قالوا: غيرت السنّة! قيل: متى ذلك يا أبا عبد الرحمن؟! قال:

" إذا كَثرت قراؤكم، وقلَّت فقهاؤكم، وكَثُرت أمراؤكم، وقلَّت أمناؤكم، والتمست الدنيا بعمل الآخرة، [وتُفُقِّه لغير الدين] ".

رواه الدرامي (1/ 64)، والحاكم (4/ 514 - 515) بسند صحيح، والدرامي أيضاً وابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله " (1/ 188) من طريق أُخرى عنه بسند حسن، وفيه الزيادة التي بين المعكوفتين، وهو موقوف في حكم المرفوع؛ لأَنّه من أُمور الغيب التي لا تدرك بالرأي، ولا سيما، وقد وقع كل ما فيه من التنبؤات. والله المستعان.

من أجل ذلك رأيت أنه لابد من تأليف رسالة أُبين فيها حكم الشرع في الموسيقى، وأرد على ابن حزم قوله بإباحتها، و أُ بين أوهامه في تضعيفه الأحاديث الصحيحة المحرمّة لها، (ليحيا من حَيّ عن بيّنة) وبذلك تقوم الحجّة على من لا علم عنده، ويتخذ منها المهتدي برهاناً لإقناع من يريد الهداية، ويخشى ربّه.

دمشق 24 شعبان سنة 1375 ه محمد ناصر الدين الألباني.

ذلك ما كنت كتبته منذ أكثر َ من أربعين سنة، ومع الأسف فقد ازداد الأمر شدة كما كنت ظننت من قبل وكثر البلاء والافتتان بالأغاني والموسيقى؛ لتيسر وسائل الاستماع كالراديو، والمسجلات، والتلفاز، والإذاعات، وسكوت كثير من العلماء عن الإنكار، بل تصريح بعضهم ممن يظن الكثيرون أنّهم من كبار العلماء بإباحتها، وتكاثرت وتنوعت المقالات التي تنشر في بعض الجرائد والمجلاّت، في إباحة الآلات الموسيقية، وإنكار تحريمها، وتضعيف الأحاديث الواردة فيها، ضاربين عرض الحائط بالحفاظ المصححين لها، ومذاهب الأئمة القائلين بمدلولاتها، لا يتعرضون لذكرها، حتّى إنّ عامة القرّاء يتوهمون أن لا وجود لها، أو من كاتبين مغمورين، ليسوا في العير ولا في النفير كما يقال، والأمثلة كثيرة وكثيرة جداً، فحسبي الآن مثالاً واحداً؛ نشر في جريدة (الرباط) الأُردنية عدد (9 - 15 حزيران 1993)، فقد جاء فيها ثلاث مقالات في إباحتها لثلاثة منهم، أخطرها وأسوأها مقالة المدعو (حسان عبد المنان)، فإنه نصب نفسه محققاً للرد على المحدثين الذين صححوا حديث البخاري الآتي في تحريم المعازف، بطرق ملتوية وادعاء علل كاذبة لم يقل بها حتى ابن حزم الذي يعتبر إمام هؤلاء المقلدين في التضعيف، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

وقد مهد لهم في الإنكار والتضعيف بعض المشهورين من العلماء المعاصرين، كالشيخ يوسف القرضاوي، تقليداً منه للشيخ محمد أبو زهرة - وقد تقدمت فتواه في ذلك، ولعله من تلامذته الذين تخرجوا من مدرسته، ورضعوا من لبانته - فقد صرّح في كتابه " الحلال والحرام " بقوله (ص 291 الطبعة 12) تحت عنوان (الغناء والموسيقى):

" ومن اللهو الذي تستريح إليه النفوس، وتطرب له القلوب، وتنعم به الآذان: الغناء. . ولا بأس بأن تصحبه الموسيقى غير المثيرة "!

واستروحَ في ذلك إلى مذهب ابن حزم، وتضعيفه لأحاديث التحريم، فنقل (ص 293) عنه أنه قال:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير