تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كذا قال، ولم يذكر ما جرى فيما بعد بينهما، ولعل ذلك العالم أفهمه بأن هذا ليس من أساليب العلماء، وإنما هو أسلوب الجهلة المقلدين الذين يحتجّون بأقوال العلماء، ولو كانت مخالفة للكتاب والسنّة، وإنما العالم الذي يقرع الحجة بالحجة، فإذا رضيت لنفسك الاحتجاج بابن حزم فماذا تقول في علماء الإسلام من المحدثين والفقهاء الذين ردوا على ابن حزم تضعيفه لحديث البخاري وغيره، كابن الصّلاح والنووي وابن تيمية وابن القيّم وغيرهم كما يأتي؟ لو قيل له هذا، لأبى واستكبر وقال: عنزة ولو طارت!

والمقصود الآن بيان ما في نقل الرجل عن ابن حزم، لقد سوّد ثلاث صفحات ساق فيها عشرة أحاديث آخرها حديث البخاري الذي أعلّه ابن حزم بعلتين: الانقطاع، وتردد الراوي في اسم الصحابي كما سيأتي، فلم يذكر هذه، وذكر مكانها قوله:

" ومعلقات البخاري يؤخذ بها (!) لأنها في الغالب متصلة الأسانيد، لكن ابن حزم يقول: إن السند هنا منقطع لم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد راوي الحديث ".

وليس غرضي الآن الرد على ابن حزم، فهو إسناد متصل، والرد عليه آت، وإنما بيان جهل هذا الناقل عن ابن حزم فأقول:

أولاً: قوله: " ومعلقات البخاري يؤخذ بها. . ".

فيه خطأ وتدليس:

أما الخطأ، فلأن الأخذ ليس على إطلاقه في علم المصطلح الذي لا قيمة له عنده مطلقاً، إلا إذا وافق الرأي أو الهوى، وإنما ذلك إذا كان التعليق بصيغة الجزم مثل (روى) و (عن) و (قال) كما في هذا الحديث، وبتفصيل يذكر في محله من هذه الرسالة إن شاء الله (ص 39 40) و (82 85) من الفصل الثالث.

وأما التدليس فهو قوله: " يؤخذ بها " بالبناء للمجهول أي عند غيره وأما هو فلم يقل: " نأخذ بها "؛ لأنه قد لا يأخذ بها كما فعل هنا، وكيف لا، وهو كثيراً ما لا يقبل ما رواه البخاري موصولاً، ولو كان معه مسلم وبقية الستة بل الستين من الأئمة! وقد مضت بعض الأمثلة.

ثانياً: هو يجهل أن هشام بن عمار من شيوخ البخاري، فقوله: " قال هشام بن عمار. . . " ليس تعليقاً، بل هو متصل، لأنه لا فرق بالنسبة للبخاري بين قوله: " قال هشام " أو: " حدثني هشام " كما سيأتي بيانه في (الفصل الثالث) المشار إليه آنفاً، وبكلام قوي لابن حزم نفسه أيضاً!.

ثالثاً: لم ينتبه وهو اللائق به لخطأ ابن حزم في قوله: " لم يتصل ما بين البخاري وصدقة " فإن الانقطاع المزعوم إنما هو بين البخاري وهشام، فإنَّ هشاماً بين البخاري وصدقة كما سيرى القرّاء ذلك جلياً في سنده الآتي (ص 39).

رابعاً: ومن باب أولى أن لا يتنبه لغلو ابن حزم وشدته في رد ما لا يعلم من حديث نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا غرابة في ذلك فإن الطيور على أشكالها تقع! فله النصيب الأوفى مما قيل فيه: " لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان "! أعني ما قاله ابن حزم في الحديث الثامن الذي نقله الغزالي عنه: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوتين ملعونين: صوت نائحة، وصوت مغنية ". فقال فيه ابن حزم: " لا ندري له طريقاً، وهذا لا شيء "!

وفي نقل الغزالي عنه (ص 69): " وسنده لا شيء "!

فقول ابن حزم: " وهذا لا شيء " من تشدده وتنطعه، فإن العلماء يقولون فيما لم يجدوا له طريقاً أو إسناداً: " لا نعلم له أصلاً " أو مع المبالغة: " ليس له أصل " كما يقول بعض الحفّاظ المتقدمين كالعقيلي، والأول هو الصواب، وبخاصة لمن لم يكن من حفّاظ الحديث والمتخصصين فيه كابن حزم، ذلك هو الواجب في أمثاله ومقلديه كالغزالي خشية أن يقعوا في تكذيب حديث قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يقل إثماً عن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى في المشركين: (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه)، فإن الحديث المذكور، له إسنادان من حديث عبد الرحمن ابن عوف وأنس بن مالك، أخرجهما جمع من الحفّاظ المشهورين كما يأتي في محله من الرسالة، منهم الطيالسي والبزّار وهما من الحفّاظ المعروفين عند ابن حزم، وممن أشاد هو بمسنديهما، كما نقله عنه الحافظ الذهبي في " السير " (18/ 202)، والحديث في " الترغيب " وغيره كما يأتي، فلم لم يرجع الغزالي إليه، لا أريد أن أقول: إنه كالنعامة مع الصياد!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير