قال: وقال أبو أسامة في الأخير: ((حتى تستوي قائماً)).
يعني: أنه ذكر بدل الجلوس: القيام.
ثم خرّج من حديث يحيى القطان، عن عبيد الله، عن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن النبي ? قال: ((ثم ارفع حتى تطمئن جالساً)).
يعني: أنه وافق ابن نمير في ذكر الجلوس.
فهذه اللفظة قد اختلف فيها في حديث أبي هريرة هذا، فمن الرواة من ذكر أنه أمره بالجلوس بعد السجدتين، ومنهم من ذكر أنه أمره بالقيام بعدهما، وهذا هو ألاشه؛ فإن هذا الحديث لم يذكر أحد فيه أن النبي ? علمه شيئاً من سنن الصلاة المتفق عليها، فكيف يكون قد أمره بهذه الجلسة؟ هذا بعيد جداً.
ثم وجدت البيهقي قد ذكر هذا، وذكر أن أبا أسامة اختلف عليه في ذكر هذه الجلسة الثانية بعد السجدتين. قال: والصحيح عنه: أنه قال بعد ذكر السجدتين: ((ثم ارفع حتى تستوي قائماً)).
قال: وقد رواه البخاري في ((صحيحه)) عن إسحاق بن منصور، عن أبي أسامة – وذكر رواية ابن نمير، ولم يذكر تخريج البخاري لها، ولم يذكر يحيى بن سعيد في روايته السجود الثاني، ولا ما بعده من القعود أو القيام.
قال: والقيام أشبه بما سيق الخبر لأجله من عد الأركان دون السنن. والله أعلم.
قلت: وهذا يدل على أن ذكر الجلسة الثانية غير محفوظة عن يحيى.
وفي حديث يحيى بن خلاد الزرقي، عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع، عن النبي ?، أنه علم المسيء في صلاته، وقال له بعد أن أمره بالسجود، ثم بالقعود، ثم بالسجود، فقال له: ((ثم قم)).
وخرّجه الإمام أحمد بهذا اللفظ.
واستدل به على أنه لا يجلس قبل قيامه.
وخرّجه الترمذي –أيضاً -، وحسنه.
مع أن حديث رفاعة هذا فيه تعليم النبي ? لهذا المسيء أشياء من مسنونات الصلاة.
وقد روي في حديث رفاعة هذا: أن النبي ? قال له: ((ثم انهض قبل أن تستوي قاعداً)).
خرّجه الحافظ أبو محمد الحسن بن علي الخلال.
ولكن إسناده ضعيف.
وخرج الإمام أحمد من حديث شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، أن أبا مالك الأشعري جمع قومه، فقال: اجتمعوا أعلمكم صلاة النبي ? - فذكر
الحديث، وفيه: أنه صلى بهم، وذكر صفة صلاته، وقال فيها: ثم كبرّ وخر ساجداً، ثم كبر فرفع رأسه، ثم كبر فسجد، ثم كبر فانتهض قائماً، فلما قضى صلاته قال: احفظوا؛ فإنها صلاة رسول الله ?.
وخرج أبو داود بعض الحديث، ولم يتمه.
وفي جلسة الاستراحة:حديث عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه -، قال: إذا رفع أحدكم رأسه من السجد الثانية فليلزق اليتيه بالارض، ولا يفعل كما تفعل الإبل؛ فإني سمعت رسول الله ? يقول: ((ذَلِكَ توقير الصَّلاة)).
خرّجه العقيلي من رواية أبي خالد القرشي، عن علي بن الحزور، عن ألاصبغ بن نباته، عن علي.
وهذا إسناد ساقط، والظاهر: أن الحديث موضوع، وأبو خالد، الظاهر: أنه عمرو بن خالد الواسطي، كذاب مشهور بالكذب، وعلي بن الحزور، قال ابن معين: لا يحل لأحد أن يروي عنه، وإلاصبغ بن نباته، ضعيف جداً.
وهذه الجلسة تسمى جلسة الاستراحة، وأكثر الأحاديث ليس فيها ذكر شيء من ذلك، كذا قاله الإمام أحمد وغيره.
وقد اختلف العلماء في استحبابها في الصلاة:
فقالت طائفة:هي مستحبة. وهو قول حماد بن زيد والشافعي –في أشهر قوليه- وأحمد –في رواية عنه، ذكر الخلال: أن قوله استقر عليها، واختارها الخلال وصاحبة أبو بكر بن جعفر.
وقال إلاكثرون: هي غير مستحبة، بل المستحب إذا رفع رأسه من السجدة الثانية أن ينهض قائماً، حكاه أحمد عن عمر وعلي وابن مسعود، وذكره ابن المنذر عن ابن عباس.
وذكر بإسناده، عن النعمان بن أبي عياش، قال: أدركت غير واحد من أصحاب رسول الله ?، فكان إذا رفع رأسه من السجدة الأخيرة – أول ركعة والثالثة – قام كما هو ولم يجلس.
وروي- أيضاً - عن أبي ريحانة صاحب النبي ?.
وروي معناه عن ابن عمر – أيضاً.
خرجهما حرب الكرماني.
وقال الترمذي: العمل على هذا عند أهل العلم.
وممن قال ذلك: عبادة بن نسي وأبو الزناد والنخعي والثوري وأبو حنيفة والشافعي – في أحد قوليه – وأحمد – في المشهور من مذهبه عند عامة أصحابه.
ومن أصحابنا وأصحاب الشافعي من قال: هي مستحبة لمن كبر وثقل بدنه؛ لأنه يشق عليه النهوض معتمدا على ركبته من غير جلسة.
وحمل أبو إسحاق المروزي القولين للشافعي على اختلاف حالين، لا على اختلاف قولين، وحملوا حديث مالك بن الحويرث على مثل ذلك، وان النبي ? كان يقعد أحيانا لمّا كبر وثقل بدنه؛ فإن وفود العرب إنما وفدت على النَّبيّ ? في آخر
عمره.
ويشهد لذلك، أن أكابر الصحابة المختصين بالنبي ? لم يكونوا يفعلون ذلك في صلاتهم، فدل على أنهم علموا أن ذلك ليس من سنن الصلاة مطلقاً.
وروى حرب الكرماني، عن إسحاق بن راهويه روايتين:
أحداهما: تستحب جلسة الاستراحة لكل أحد.
والثانية: لا تستحب إلا لمن عجز عن النهوض عن صدر قدميه.
وهي رواية ابن منصور، عن إسحاق –أيضاً.
ومن لم يستحب هذا الجلوس بالكلية، قال: إنه من الأفعال المباحة التي تفعل في الصلاة للحاجة إليها، كالتروح لكرب شديد، ودفع المؤذي، ونحو ذلك مما ليس بمسنون، وإنما هو مباح.
¥