[تحقيق مذهب شيخ الإسلام في الطهارة من الإناء المحرم ووهم للشيخ الدبيان في ذلك]
ـ[حامد الحنبلي]ــــــــ[04 - 09 - 04, 03:18 ص]ـ
قال شيخ الإسلام في شرح العمدة (1/ 114 - 115):
مسألة لا يجوز استعمال آنية الذهب والفضة في طهارة ولا غيرها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة)) هذا التحريم يستوي فيه الرجال والنساء بخلاف التحلي فإنه يختص بالرجال ويباح لهم منه أشياء مستثناة وكل ما يلبس فهو من باب الحلية سواء كان سلاحا أو لباسا وما لم يلبس فهو من باب الآنية مثل المكحلة والمحبرة والمرود والإبريق والأصل في ذلك ما روت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إن الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم)) متفق عليه وفي لفظ لمسلم ((إن الذي يأكل أو يشرب في آنية الذهب والفضة)) وعن حذيفة بن اليمان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة)) متفق عليه.
فنهى صلى الله عليه وسلم عن الأكل والشرب لانهما أغلب الأفعال وفي التطهير منها والاستمداد والاكتمال والاستصباح ونحو ذلك لان ذلك مظنة السرف باستعمال النقدين في غير ما خلقا له والله لا يحب المسرفين ومظنة الخيلاء والكبر لما في ذلك من امتهانهما ومظنة الفخر وكسر قلوب الفقراء والله لا يحب كل مختال فخور وكذلك يحرم اتخاذها في المشهور من الروايتين فلا يجوز صنعتها ولا استصياغها ولا اقتناؤها ولا التجارة فيها لأنه متخذ على هيئة محرمة الاستعمال فكان كالطنبور وآلات اللهو ولان اتخاذها يدعو الى استعمالها غالبا فحرم كاقتناء الخمر والخلوة بالاجنبية
((ولا تصح الطهارة منها في اصح الوجهين اختاره أبو بكر وسواء اغترف منها او اغتمس فيها لانه أتى بالعبادة على الوجه المحرم فأشبه الصلاة في الدار المغصوبة فعلى هذا إن جعلها مصبا لما ينفصل عنه حين التوضؤ فوجهان أصحهما عدم الصحة.
وفي الثاني يصح اختاره الخرقي وغيره لان التحريم لا يرجع الى نفس العبادة ولا الى شرط من شرائط وجوبها وادائها فأشبهه التوضؤ في المكان المغصوب والصلاة بخاتم ذهب لان الآنية ليست من الوضوء ولا من شروطه بخلاف البقعة والسترة في الصلاة والمال في الحج.)) ا. هـ
وعزاه مذهباً لشيخ الإسلام كل من:
الزركشي في شرحه على الخرقي (1/ 161) والمرداوي في الإنصاف (1/ 81) ومن المعاصرين ابن القاسم في حاشيته على الروض (1/ 104) والشيخ العبيكان في غاية المرام (1/ 168) وذكر أن هذا هو اختيار الشيخ ابن باز رحمه الله ولم أظفر به بعد.
ولكن ذكر الشيخ الدبيان حفظه الله في موسوعة أحكام الطهارة (الجزء الخاص بالمياه والآنية) (ص446) حاشية رقم (4) أن الذي رجحه شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى (1/ 438) صحة الطهارة من آنية الذهب والفضة وقال عن هذا القول بأنه أفقه. ا.هـ
والذي وجدته لشيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (21/ 89 - 90) أنه ذكر المذهبين دون ترجيح كما يفعل أحياناً .. ولكنه عند ذكره لمذهب القائلين بالصحة قال بأنهم فرقوا بفرقين ثم ذكر الأول ورد عليه وعند ذكره للثاني قال والفرق الثاني وهو أفقه .. وواضح أنه يصف الفرق الثاني بالفقه لا المذهب الثاني وها هو كلام شيخ الإسلام:
((وأما التوضؤ والاغتسال من آنية الذهب والفضة: فهذا فيه نزاع معروف في مذهب أحمد لكنه مركب على إحدى الروايتين بل أشهرهما عنه في الصلاة في الدار المغصوبة؛ واللباس المحرم كالحرير والمغصوب والحج بالمال الحرام؛ وذبح الشاة بالسكين المحرمة؛ ونحو ذلك مما فيه أداء واجب واستحلال محظور فأما على الرواية الأخرى التي يصحح فيها الصلاة والحج ويبيح الذبح: فإنه يصحح الطهارة من آنية الذهب والفضة. وأما على المنع فلأصحابه قولان: (أحدهما: الصحة. كما هو قول الخرقي وغيره. و (الثاني: البطلان. كما هو قول أبي بكر؛ طردا لقياس الباب. والذين نصروا قول الخرقي أكثر أصحاب أحمد: فرقوا بفرقين: أحدهما: أن المحرم هنا منفصل عن العبادة؛ فإن الإناء منفصل عن المتطهر بخلاف لابس المحرم وآكله والجالس عليه؛ فإنه مباشر له قالوا: فأشبه ما لو ذهب إلى الجمعة بدابة مغصوبة. وضعف آخرون هذا الفرق بأنه لا فرق بين أن يغمس يده في الإناء المحرم وبين أن يغترف منه وبأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الشارب من آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم وهو حين انصباب الماء في بطنه يكون قد انفصل عن الإناء. والفرق الثاني - وهو أفقه -: قالوا: التحريم إذا كان في ركن العبادة وشرطها أثر فيها كما إذا كان في الصلاة في اللباس أو البقعة. وأما إذا كان في أجنبي عنها لم يؤثر والإناء في الطهارة أجنبي عنها فلهذا لم يؤثر فيها. والله أعلم.)) ا. هـ
والفتاوى الكبرى ليست عندي فلا أدري هل كلامه في الفتاوى الكبري يختلف عن كلامه في مجموع الفتاوى أم لا؟.
¥