تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بعد استقلال المغرب ظهرت قضية التهريب للسلع والبضائع المباحة والمحرمة؛ من وإلى الجيوب التي لا زالت مستعمرة من طرف اسبانيا كمدينتي سبتة ومليلية، ومع مرور الأيام، وغض الطرف والإهمال استفحلت القضية وأصبحت ظاهرة عزت على الدواء؛ خصوصا وأنها تنصب في الغالب على المواد المحرمة كالخمور والمخدرات والدخان والدهون الخ، وكنا وما زلنا ننظر بإشفاق واستغراب إلى ما يجري؛ لاسيما والذين يتولون كبر المصيبة من أعيان القوم وطلبة العلم، فكنا نجاذبهم الحديث أحيانا حولها لافتين نظرهم إلى الحكم الشرعي فيها خصوصا في المذهب المالكي، فيستغربون ما يسمعون مما يدل على مدى ابتعاد القوم عن التفقه في دينهم، والورع في معاملة الأجانب الحربيين الذين يستعمرون أرضنا غصبا وظلما وعدوانا، ويستغلون خيراتها برا وبحرا، الشيء الذي يفرض علينا بحكم إسلامنا المقاطعة والمنابذة، والسعي الحثيث الدائب لاستعادة حقنا المغصوب، وتحرير أرضنا المستعمرة، ولكنا للأسف نقبل على معاملتهم راضين متسابقين مطمئنين متهافتين مؤثرين سلعهم وبضائعهم على سلعنا الوطنية مهما كانت جودتها وسلامتها، وتفاهة تلك وقبحها، فيكفي مجرد الاسم فقط مغريا باقتنائها دافعا لطلبها، وقد أصبحت بذلك مصدر رزق الآلاف المؤلفة من المواطنين المسلمين، فأثرى من ورائها عدد من التجار، وارتحلوا متجرين بها بين المدن والقرى، بل تجاوز ذلك إلى خارج الوطن، فقد رأيت هذه السلع والبضائع بيد المهربين في تونس والجزائر، والعدو من وراء هذا كله قرير العين، راتع في بحبوحة النعيم، يمتد عمرانه في أرضنا، ويقوي اقتصاده على حسابنا، ويشتد خطره بغفلتنا، والمسؤولون لا يرفعون رأسا لهذا ولا يبالون. وأخشى أن أقول أنهم يشجعون ويباركون، غير أنهم في هذه الأيام الأخيرة، أخذت وسائل الإعلام تتحرك على استحياء في لفت الأنظار إلى هذا الخطر الداهم، والسرطان المستفحل، قولا دون فعل، وقد سُئلت مرارا عن هذه القضية فكنت أجيب بما أعلم من أحكام ديننا فيها؛ غير أن أحد إخواننا ممن يباشر هذه التجارة ناظرني – وهو ممن يعنى بالفقه والبحث في أحكامه – فكان يحتد ويشتد في طلب الدليل والبرهان، فكنت أملي عليه ما يسمح به الوقت وأحيله على هذه الرسالة التي سمع مني مرارا ذكرها والتنويه بها. إلى أن التمس مني مؤخرا اطلاعه عليها فوعدته بإعدادها للاستفادة بالتصحيح والتعليق، فالتزم طبعها ليعم نفعها وفائدتها، وليكون سببا إن شاء الله تعالى في الهداية والرجوع إلى الصواب.

الرسالة قدمها إلي أحد الإخوان المعتنين منذ سنوات، فقرأتها فوجدتها نافعة جيدة بذل مؤلفها – وهو الفقيه المعروف بجودة بحثه وسعة اطلاعه خصوصا في الفقه المالكي – جهدا شكورا في جلب نصوص الفقه من أمهاتها كالمدونة وشروحها، وكتاب ابن يونس، وتبصرة اللخمي، وتفريع ابن الجلاب، وكافي ابن عبد البر، إلى أوضاع المتأخرين الشهيرة كالبيان والتحصيل، ومختصر ابن الحاجب وشرحه، والتوضيح للشيخ خليل، ومختصر ابن عرفة، وغيره مما يراه القارئ مبثوثا في أثناء هذه:

(الرسالة الوجيزة المحررة، في أن التجارة إلى أرض الحرب وبعث المال إليها ليس من فعل البررة) والتاريخ – كما يقال – يعيد نفسه، فقد أشار مؤلفها في طليعتها إلى ظهور مصيبة التهريب في زمانه – العصر العلوي أيام حكم السلطان مولاي سليمان – وعموم البلوى بها مما دعاه إلى تأليف هذه الرسالة نصحا للأمة، وتنبيها على هذه المصيبة المدلهمة على حد تعبيره، وقد أفرغها في فصلين وخاتمة:

الفصل الأول: في ذكر أدلة التحريم. الثاني: في حكم أخذ الأعشار من أولئك التجار وهي مسألة تتفرع عن الأولى. وتتخلل الفصلين فروع وفوائد مفيدة حول السفر إلى بلاد الكفر – المعبر عنه الآن مع الأسف بالهجرة. وهي في عرف الإسلام تكون بالعكس أي من دار الكفر إلى دار السلام – والإقامة بها، ومعاملة أهل الذمة. وعقد الخاتمة متسائلا هل يخاطب الإمام ولي الأمر مضى من أدلة وقواعد وأصول مذهبية بالإيجاب، وأن على ولي الأمر – وهو إذ ذاك صديقه وولي نعمته الملك الصالح الفقيه سليمان بن محمد بن عبد الله العلوي – أن يمنع ذلك ويحاربه ويتخذ الرصد والحرص لذلك تغييرا للمنكر العظيم. وحياطة للدين القويم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير