4– أخرج أبو داود في سننه (4\ 64 #4113): حدثنا محمد بن عبد الله بن الميمون ثنا الوليد عن الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي r قال: «إذا زوج أحدكم عبده أمته فلا ينظر إلى عورتها». قلت الوليد بن مسلم مدلّس تدليس تسوية عن شيخه الأوزاعي. وقد جاء من طريق في سنن البيهقي (2\ 226) التصريح بالتحديث عن الأوزاعي. واحتمال أن يكون الوليد قد أسقط راوياً ضعيفاً بين الأوزاعي وعمرو بن شعيب ضعيف، لكنه موجود. وعلى أية حال فمعنى الحديث صحيح وإن ضَعُف سنده. وليس فيه تحديد لعورة المرأة.
لكن أخرجه أبو داود والبيهقي (2\ 228) والدارقطني في سننه (1\ 230) من وجه آخر من طرق عن داود بن سوار عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي r قال: «إذا زوج أحدكم خادمه عبده أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة». وهذا المتن رواه الثقات بألفاظ مختلفة عن سوار بن داود، مما يدل على قلة حفظه لهذا الحديث. فهذا المتن المضطرب ضعيف لا يصلح ليعارض المتن الذي يرويه الأوزاعي. وابن داود هذا فيه ضعف، قال عنه الدارقطني: «لا يتابع على أحاديثه، فيعتبر به». وقد ذكره ابن حبان في الثقات (6\ 422) ويقصد العدالة، وقال عنه: «يخطئ». ووثقه ابن معين، وهو قد يتساهل في توثيق من لم تكن له رواية إلا الحديث أو الحديثين. وقال عنه الذهبي في الميزان (3\ 14): «يضعف»، وقال (7\ 358): «فيه لين». وأشار العقيلي وابن عدي والبيهقي إلى اضطرابه في هذا الحديث.
والحديث جاء أيضاً عند البيهقي (#3053) من طريق الخليل بن مرة عن ليث بن أبي سليم عن عمرو بن شعيب به، ولا يصح، فالخليل ضعيف ساقط، وليث مختلط لم يتميز حديثه، فيكفي علة واحدة من هاتين العلتين لرده. وأحسن لفظ لهذا الحديث هو لفظ الأوزاعي، وليس فيه ما يريدون.
5– واحتجوا بأحاديث ضعيفة وأباطيل تنهى عن دخول الحمامات. وقالوا أن ذلك دليلٌ على وجوب تغطية غالب الجسم. وأنه لو كانت عورة المرأة أمام المرأة هي السوءتين فقط، لأُجيز للمرأة أن تدخل الحمام. وإليك أهم تلك الأحاديث التي استدلوا بها:
1) احتجوا بحديثٍ باطلٍ أخرجه أبو داود (4\ 39): من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي (ضعيف الحفظ) عن عبد الرحمن بن رافع (مجهول) عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً: «إنها ستفتح لكم أرض العجم، وستجدون فيها بيوتاً يقال لها الحمامات. فلا يدخلنها الرجال إلا بالأزر. وامنعوها النساء إلا مريضة أو نفساء».
2) واحتجوا بحديث منقطع عن ابن عباس t قال، قال رسول الله r: « احذروا بيتاً يقال له الحمام». قلنا الحديث له إسنادٌ ظاهره الصحة. ولذلك اغتر به بعض العلماء فصححه. ولكن الصواب فيه أنه مرسل كما أثبت ذلك أبو حاتم في علله (2\ 240) والبيهقي في السنن الكبرى (7\ 309) والبزار.
3) واحتجوا بما رواه أبو داود والترمذي وعبد الرزاق من طريق أبي المليح الهذلي أن نساء من أهل حمص أو من أهل الشام دخلن على عائشة فقالت: «أنتن اللاتي يدخلن نساءكن الحمامات؟ سمعت رسول الله r يقول: «ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت الستر بينها وبين ربها». وهذا حديث مرسل، ولا نعرف ممن سمعه أبو المليح هذا.
وهناك أحاديث ضعيفة أخرى، ولا حجة لهم فيها. ولذلك قال الحافظ الحازمي في كتابه الاعتبار (187): «باب النهي عن دخول الحمام ثم الإذن فيه بعد ذلك». ثم قال في آخره: «وأحاديث الحمام كلها معلولة (يعني المرفوعات)، وإنما يصح فيها عن الصحابة رضي الله عنهم». وقد ضعفها كذلك الحافظ عبد الحق الأشبيلي في الأحكام الوسطى له (1\ 244).
4) واحتجوا بأثرٍ موقوفٍ على عمر بن الخطاب t ينهى فيه نساء المسلمين على دخول الحمامات. وقالوا: هذا النهي دليلٌ على أن المرأة يجب عليها أن تستتر من المرأة الأخرى وتغطي غالب جسمها. لأنه لا يجوز لها الدخول إلى الحمام إلا لضرورة.
¥