قلنا: هذا الأثر جاء من عدة طرق كلها ضعيف. فقد رواه عبد الرزاق (1\ 295 #1134) عن ابن المبارك عن هشام بن الغاز عن عبادة بن نسي –قال ابن الأعرابي: وجدت في كتاب غيري عن قيس بن الحارث– قال: «كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي عبيدة بلغني ... » فذكره. ورواه عبد الرزاق أيضاً (1136) من طريق إسماعيل بن عياش عن هشام بن الغاز عن عبادة بن نسي عن قيس بن الحارث قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي عبيدة فذكره.
ولكن رواه سعيد بن منصور عن إسماعيل بن عياش عن هشام بن الغاز عن عبادة بن نسي عن أبيه عن الحارث بن قيس قال كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي عبيدة رضي الله عنه فذكره، فزاد فيه عن أبيه، وجعله من رواية الحارث بن قيس. ورواه سعيد بن منصور أيضاً عن عيسى بن يونس عن هشام بن الغاز عن عبادة بن نسي قال: «كتب عمر بن الخطاب t... الحديث». ورواه ابن جرير رحمه الله كذلك عن عيسى بن يونس بمثله.
ففي رواية ابن المبارك عند عبد الرزاق وعيسى بن يونس عند سعيد بن منصور وابن جرير عن عبادة بن نسي مرسلاً. وزاد إسماعيل بن عياش كما في رواية سعيد بن منصور عن عبادة عن أبيه عن الحارث بن قيس، ونسي والد عبادة مجهول. وأسقطه في رواية عبد الرزاق. فيكون الأثر منقطعاً بين عبادة وقيس بن الحارث، كما أنه جعله من رواية الحارث بن قيس بدل قيس بن الحارث. وهذا كله يدل على اضطراب إسماعيل في روايته لهذا الأثر. بينما الأثبات رووه عن عبادة (ت 118هـ) مرسلاً. فيكون مدار الحديث على "نسي" المجهول. وقد رجح ذلك أبو حاتم كما في الجرح والتعديل (8\ 510).
وأخرجه عبد الرزاق (#1133) من طريق سليمان بن موسى، وهو ضعيف قال عنه البخاري: «عنده مناكير». ومتن هذه الرواية مضطرب في كل الروايات فلا يمكن تقويتها أو تصحيحها.
5) ويشبه هذا ما أخرجه عبد الرزاق (#1135) عن محمد بن عبيد الله (العرزمي، ضعيف) عن أم كلثوم قالت: «أمرتني عائشة فطليتها بالنورة. ثم طليتها بالحناء على إثرها، ما بين فرقها إلى قدمها في الحمام، من حصنٍ كان بها. فقلت لها: "ألم تكوني تنهي النساء؟ ". فقالت: "إني سقيمة. وأنا أنهى الآن أن تدخل امرأة الحمام، إلا من سقم"». وفي "لسان العرب" لإبن المنظور: «النُّورَةُ من الحجر الذي يحرق ويُسَوَّى منه الكِلْسُ ويحلق به شعر العانة». قلت: هذا الأثر ضعيف ليس لهم به حجة.
فثبت بذلك أنه لا دليل لهم على ما يقولون.] إِن يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً [. وأما نحن فهذه أدلتنا:
1– قال الله تعالى في سورة النور (30):] وقل للمؤمنات: يغضضن من أبصارهن. ويحفظن فروجهن. ولا يبدين زينتهن، إلا ما ظهر منها. وليضربن بخمرهن على جيوبهن. ولا يبدين زينتهن، إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء. ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن. وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون [.
وفي الآية دليلٌ على أنه يجوز أن تبدي المرأة أمام محارمها وأمام النساء المسلمات ما تبديه أمام زوجها. وهذا يشمل كل جسدها إلا الفرجين لقوله تعالى] ويحفظن فروجهن [. وأجاز رؤية ذلك للزوج استثناءً كما في أوائل سورة المؤمنين.
2– روى مسلم في صحيحه (1\ 266) من حديث أبي سعيد الخدري r قال: قال رسول الله r: « لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة. ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد. ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد».
ففي هذا الحديث دليل على التساوي في حدود العورة بدلالة الاقتران والقياس. وهذا هو الصواب في مذهب أحمد بن حنبل. وقد ثبت عندنا أن عورة الرجل من الرجل هي السوءتين، فكذلك المرأة. والذين قالوا بأن عورة الرجل هي ما بين السرة إلى الركبة، جعلوا ذلك للمرأة كذلك.
¥