وقال شمس الدين السرخسي: ((والفجر فجران؛ كاذب تسميه العرب ذنب السرحان، وهو البياض الذي يبدو في السماء طولاً، ويعقبه ظلام، والفجر الصادق وهو البياض المنتشر في الأفق، فبطلوع الفجر الكاذب لا يدخل وقت الصلاة, ولا يحرم الأكل على الصائم مالم يطلع الفجر الصادق ... )). [كتاب المبسوط (1/ 141) طبعة دار الفكر]
وقال كمال الدين بن الهمام: ولا معتبر بالفجر الكاذب، وهو البياض الذي يبدو طولاً ثم يعقبه الظلام لقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا يغرنكم أذان بلال ولا الفجر المستطيل)) وإنما الفجر في الأفق)) أي المنتشر فيه. [فتح القدير (1/ 219)]
وقال قبل ذلك: ثم صلى الفجر حين برق الفجر، وحرم الطعام على الصائم (1/ 218).
التقاويم وضعت على وقت الفجر الكاذب.
والمشكلة نشأت من أن معظم الفلكيين والخبراء الجغرافيين والعسكريين لا يفرقون بين الفجرين، لأن هذا لا يهمهم، ولأنهم يرون أن أول ضوء هو الفجر عندهم، فلذلك وضعوا التقاويم بناءً على ذلك. وأما في الشرع؛ فالضوء الأول هو الفجر الكاذب، ومن هنا وقع الخطأ، وكان مقداره مقدار ما بين الفجرين، وهو عشرون دقيقة، تزيد ثلاثة دقائق أو تنقص حسب طول الليل والنهار. وقد قامت عدة مشاهدات وشهادات من فضلاء، وتمت عدة دراسات تبين بالدليل العلمي، والرؤية الواقعية، أن معظم التقاويم ومنها تقويم أم القرى، قد وقعت في هذا الخطأ، إذ وُقِّت الفجر فيها على الفجر الكاذب. وهذا أمر بالغ الخطورة، حيث يصلي كثير من المسلمين ـ وبخاصة النساء في البيوت ـ والمتعجلون من الأئمة، يصلون بُعيد أذان الفجر الكاذب، أي: قبل طلوع الفجر الصادق، مما يترتب على ذلك فساد الصلاة على من علم ذلك، كما لا يخفى على كل مسلم. لذا وجب على المسلم التنبه إلى هذه المسألة، والنظر فيها نظر علم، واتباع، وتمحيص، لا نظر تقليد، لا يفرق بين دليل وتزيين، واتباع وتقليد، ولا يجوز له الاعتماد على تقويم مُعَدٍّ على حساب فلكي، لا يُدرى عن واضعيه، مقدار علمهم الشرعي، واتباعهم للسنة، بخاصة وقد تبين بالدليل القطعي خطؤه، وشهد على ذلك العلماء العدول.
أدلة الذين يرون خطأ التقاويم وشهاداتهم على ذلك:
الأول: شهادة الحافظ العسقلاني في ذلك: وهو دليل واضح قوي، يبين فيه سبب الخطأ، وبدايته، وهو ما قاله الحافظ ابن حجر في [فتح الباري: (4/ 199)]:
(تنبيه) من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان، وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام، زعماً ممن أحدثه: أنه للاحتياط في العبادة، ولا يعلم بذلك إلا آحاد الناس، وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة، لتمكين الوقت زعموا، فأخروا الفطر، وعجلوا السحور، وخالفوا السنة، فلذلك قل عنهم الخير، وكثر فيهم الشر، والله المستعان))، والدرجة تقدر من 4 - 4.45 دقيقة.
الثاني: شهادة العلامة القرافي -رحمه الله- قال: ((جرت عادة المؤذنين, وأرباب المواقيت بتسيير درج الفلك إذا شاهدوا المتوسط من درج الفلك, أو غيره من درج الفلك الذي يقتضي أن درجة الشمس قربت من الأفق قرباً يقتضي أن الفجر طلع، أمروا الناس بالصلاة والصوم مع أن الأفق يكون صاحياً لا يخفى فيه طلوع الفجر لو طلع، ومع ذلك لا يجد الإنسان للفجر أثراً البتة، وهذا لا يجوز، فإن الله تعالى إنما نصب سبب وجوب الصلاة ظهور الفجر فوق الأفق ولم يظهر، فلا تجوز الصلاة حينئذ، فإنه إيقاع للصلاة قبل وقتها، وبدون سببها)). [الفروق (2/ 3)، 301]
الثالث: شهادة العلامة محمد رشيد رضا: قد قرر هذه الحقيقة، وأشار إلى أن هذا الخطأ وقع حين وُضع التقويم: الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره "المنار" عند قوله تعالى:) حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر (. [البقرة (187)]، قال (2/ 184): (ومن مبالغة الخلف في تحديد الظواهر مع التفريط في إصلاح الباطن من البر والتقوى، أنهم حددوا الفجر، وضبطوه بالدقائق، وزادوا عليه في الصيام، إمساك عشرين دقيقة تقريباً، وأما وقت المغرب، فيزيدون فيه على وقت الغروب التام خمس دقائق على الأقل، ويشترط بعض الشيعة فيه ظهور بعض النجوم. وهذا نوع من اعتداء على حدود الله تعالى .... بيد أنه يجب إعلام المسلمين ... بأن وقت الإمساك الذي يرونه في
¥