قلت: هذه قاعدة كثيرًا ما يساء استعمالها، فالمثبت لا يقدم على النافي مطلقًا، بل لا بد من مرجحات؛ مثل النظر في درجات الصحة، و العدد، و القرائن، و الشواهد ... فلا تقدم رواية مخلط لأنها مثبتة، على رواية حافظ لأنها نافية ... هذا أمر مهم ينبغي التنبّه له، لأنه كثيرًا ما يُلهج به دون بيانه.
و أمّا ابن حزم رحمه الله فقد جعل رواية نافع، التي نسبها له الشيخ الألباني رحمه الله، جعلها ناسخة لرواية أولئك الأعلام، فقال: و ما كان لابن عمر ليرجع إلى خلاف ما روى – من ترك الرفع عند السجود – إلاّ و قد صح عنده فعل النبي صلى الله عليه و سلم لذلك. (المحلى 4/ 94)
قلت: قد مضى توجيه تلك الرواية، و بيّنت أنها لا تفي بالغرض المطلوب. و هي مع ذلك موقوفة لا تقوى على مقاومة المرفوع. كيف و قد أخرج البيهقي من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وكان لا يفعل ذلك في السجود. فما زالت تلك صلاته حتى لقي الله تعالى ".
و من الشواهد على ذلك:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة كبر ثم جعل يديه حذو منكبيه وإذا ركع فعل مثل ذلك وإذا سجد فعل مثل ذلك ولا يفعله حين يرفع رأسه من السجود وإذا قام من الركعتين فعل مثل ذلك " أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (694).
و حديث أبي موسى الأشعري،قال: هل أريكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فكبر ورفع يديه، ثم كبر ورفع يديه للركوع، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ثم رفع يديه ثم قال: هكذا فاصنعوا.ولا يرفع بين السجدتين " أخرجه الدارقطني في سننه (16)، و عند البيهقي موقوفًا بلفظ: " ... و لم يرفع في السجود "
وحديث علي، وقد مر تخريجه،وفيه:" وكان لا يفعل ذلك في شيء من سجوده "، وهذا اللفظ للبيهقي في السنن (2137)
- حديث أنس رضي الله عنه: رواه ابن أبي شيبة (2434)، و من طريقه ابن حزم (4/ 92)، حدثنا الثقفي عن حميد عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الركوع والسجود "
قلت: هذا الحديث رواه جماعة عن الثقفي، منهم؛
محمد بن حوشب بلفظ: " يرفع يديه عند الركوع " (جزء رفع اليدين -8)
و محمد بن يحيى بلفظ: " إذا ركع، و إذا رفع رأسه من الركوع " البيهقي في (الخلافيات)
و محمد بن بشار، في رواية ابن ماجة عنه بلفظ:" إذا دخل في الصلاة، و إذا ركع "
و في رواية ابن صاعد عنه، بلفظ: " يرفع يديه إذا دخل في الصلاة، وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع وإذا سجد " أخرجه الدارقطني في سننه (11).
قلت: ابن صاعد حافظ، إلا أنّ ابن ماجة أعلى كعبًا منه. و مع ذلك، يمكن توجيه لفظي " السجود " و " سجد " بما بعد الرفع من الركوع، كما مر فتذكره.
و هذا لا شك فيه، فقد روى الحديثَ أبو يعلى في مسنده (3793)، قال: " حدثنا أبو بكر (ابن أبي شيبة) حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن حميد عن أنس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع"
و هذا أقوى شاهد على أنهم يعبّرون عن "الرفع من الركوع" بـ "السجود". و قد رواه أبو يعلىكذلك عن ابن أبي شيبة به (3752)
هذا، و روى حديثَ أنس عن حميد:
يحيى بن سعيد موقوفًا بلفظ: " كان يرفع يديه عند الركوع " البخاري في (جزء القراءة 97)
و معاذ بن معاذ موقوفًا كذلك بلفظ: " كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع " ابن أبي شيبة (2433)
و يزيد بن هارون مرفوعًا بلفظ: " يرفع يديه إذاكبر، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع " المختارة للمقدسي (2027)، و المحفوظ، كما قال الدارقطني، الموقوف.
و رواه عن أنس:
يحيى بن أبي إسحاق بلفظ: " أنه كان يرفع بين السجدتين " أخرجه ابن أبي شيبة (2795)، وهذا الخبر هو الذي عناه الشيخ الألباني رحمه الله فقال في (تمام المنة ص 172):" و قد ثبت الرفع بين السجدتين عن جماعة من السلف، منهم أنس رضي الله عنه ".اهـ
و هذا يمكن رده من جهتين؛
الأولى: في السند، فإنّ (يحيى بن أبي إسحاق) قال فيه الحافظ في (التقريب 1/ 177): صدوق، ربما أخطأ.
¥