[............. المزح ................]
ـ[أبو يحيى التركي]ــــــــ[26 - 09 - 04, 06:45 م]ـ
المزح - بفتح الميم ـ لغة:- هو الدعابة وأما في اصطلاح العلماء فقد عرفه الزبيدي في تاج العروس بقوله. ((هو المباسطة إلى الخير على جهة التلطف والاستعطاف دون أذيه))
إضاءة:-
قال الماوردي رحمه الله:- ((العاقل يتوخى حالين لا ثالث لهما:- أحدهما:- إيناس المصاحبين, والتودد إلى المخاطبين, وهذا يكون مما أنس من جميل القول وبسط من مستحسن الفعل.
والثاني:-أن ينفي بالمزاح ما طرأ عليه, وحدث به من هم, وقد قيل:- لابد للمصدور أن ينفث)) أما حكم المزاح فالأصل فيه الإباحة بل ربما كان مستحبا. قال الحافظ ((فإن صادف- أي المزاح المباح – مصلحة مثل تطييب نفس المخاطب ومؤانسته فهو مستحب))
إلا أن حكم الإباحة الذي هو أصل, لابد فيه من قيدين اثنين:-
الأول:- ألا يكثر الرجل منه بحيث يخرج عن حد الاعتدال.
يقول بدر الدين الغزي في كتابه الموسوم في المزاح في المزاح "قد ورد في ذم المزح و مدحه أخبار, فحملنا ما وردفي ذمه على ما إذا وصل إلى حد المثابرة والإكثار".
وقال الحافظ:- المنهي عنه ما فيه إفراط أو مداومة عليه لما فيه من الشغل عن ذكر الله، والتفكر في مهمات الدين، ويئول كثيراً إلى قسوة القلب والإيذاء والحقد، وسقوط المهابة والوقار.
وقد قيل:- من كثر مزاحه زالت هيبته.
أفد طبعك المكدود بالجد راحة
يجم وعلله بشيء من المزح
ولكن إذا أعطيته المزح فليكن
بمقدار ما تعطي الطعام من الملح
الثاني:- ألا يتضمن أمراً محرماً، فإن تضمن محرماً فإن حكمه حكم ما تضمنه.
ومن أمثلة ذلك:-
1 - الكذب:- عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده
قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:-" ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب، ويل له، ويل له ". رواه الترمذي وحسنه.
وحرمة الكذب مما هو معلوم، ولا يخفى على أحد.
فلا يجوز المزاح إن تخلله الكذب أبداً.
2 - الترويع: - فعن النبي صلى الله عليه وسلم "لا يحل لمسلم أن يروع مسلما " أخرجه أبو داود وهو صحيح.
وعن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده مرفوعاً " لا يأخذ أحدكم عصا أخيه لاعباً أو جاداً، فمن أخذ عصا أخيه فليردها إليه" أخرجه الترمذي وفي رواية لأبي داود" لا يأخذن أحدكم متاع أخيه جاداً ولا لاعباً" والحديث حسن.
وعليه فكل صورة من صور المزاح التي تقوم على ترويع المسلم لأخيه المسلم فهي محرمة، ومن أمثلة ذلك:- ما يسمى بالهجوم الليلي في المخيمات بحجة تمرين الشباب على الشجاعة والثبات.
فذلك محرم لما فيه من ترويع، وأما ما ذكر من غاية، فالغاية لا تبرر الوسيلة وعلى هذا فقس.
3 - أن يشتمل المزح على غيبة.
وغالب المزح هذه الأيام من هذا النوع نسأل الله الستر والمغفرة. والكلام عن الغيبة معلوم لككل مسلم.
4 - أن يتضمن سخرية واستهزاءاً وهما محرمان إجماعاً. قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن}
وعن واثلة بن الأسقع-رضي الله عنه- مرفوعا " لا تظهر الشماتة بأخيك فيرحمه الله ويبتليك " رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب.
فكل مزح فيه احتقار واستصغار واستذلال للآخرين فهو محرم.
ويلحق بذلك الاستهزاء بسنة من سنن النبي كتقصير الثوب، أو فرض من الفرائض كإعفاء اللحية، فهو محرم وقد يلج بصاحبه باب الكفر عياذا بالله.
هذان قيدان ينبغي مراعاتهما والعناية بهما حتى يصان المنطق عن كل ما يكون سببا في أن يكب وجه صاحبه في النار.
****** ألا وإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ولذا فإني لا بد وأن أقف وقفة مع هديه في هذا الباب، وسيكون قريبا بإذن الله.