ويقال أحبه حبا ومحبة والمحبة أم باب هذه الأسماء
وأما كلام الناس في حدها فكثير:
فقيل هي الميل الدائم بالقلب الهائم
وقيل إيثار المحبوب على جميع المصحوب
وقيل موافقة الحبيب في المشهد والمغيب
وقيل اتحاد مراد المحب ومراد المحبوب
وقيل إيثار مراد المحبوب على مراد المحب
وقيل إقامة الخدمة مع القيام بالحرمة
وقيل استقلال الكثير منك لمحبوبك واستكثار القليل منه إليك
وقيل استيلاء ذكر المحبوب على قلب المحب
وقيل حقيقتها أن تهب كلك لمن أحببته فلا يبقى لك منك شيء
وقيل هي أن تمحو من قلبك ما سوى المحبوب
وقيل هي الغيرة للمحبوب أن تنتقص حرمته والغيرة على القلب أن يكون فيه سواه
وقيل هي الإرادة التي لا تنقص بالجفاء ولا تزيد بالبر
وقيل هي حفظ الحدود فليس بصادق من ادعى محبة من لم يحفظ حدوده
وقيل هي قيامك لمحبوبك بكل ما يحبه منك
وقيل هي مجانبة السلو على كل حال كما قيل:
ومن كان من طول الهوى ذاق سلوة ** فإني من ليلي لها غير ذائق
وأكثر شيء نلته من وصالها ** أماني لم تصدق كلمعة بارق
وقيل نار تحرق من القلب ما سوى مراد المحبوب
وقيل ذكر المحبوب على عدد الأنفاس، كما قيل:
يراد من القلب نسيانكم ** وتأبى الطباع على الناقل
وقيل عمى القلب عن رؤية غير المحبوب وصممه عن سماع العذل فيه. وفي الحديث: "حبك للشيء يعمي ويصم" رواه الإمام أحمد
وقيل ميلك إلى المحبوب بكليتك ثم إيثارك له على نفسك وروحك ومالك ثم موافقتك له سرا وجهرا ثم علمك بتقصيرك في حبه
وقيل هي بذلك المجهود فيما يرضى الحبيب
وقيل هي سكون بلا اضطراب واضطراب بلا سكون فيضطرب القلب فلا يسكن إلا إلى محبوبه فيضطرب شوقا إليه ويسكن عنده، وهذا معنى قول بعضهم هي حركة القلب على الدوام إلى المحبوب وسكونه عنده
وقيل هي مصاحبة المحبوب على الدوام، كما قيل:
ومن عجب أني أحن إليهم ** وأسأل عنهم من لقيت وهم معي
وتطلبهم عيني وهم في سوادها ** ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي
وقيل هي أن يكون المحبوب أقرب إلى المحب من روحه، كما قيل:
يا مقيما في خاطري وجناني ** وبعيدا عن ناظري وعياني
أنت روحي إن كنت لست أراها ** فهي أدنى إلي من كل داني
وقيل هي حضور المحبوب عند المحب دائما، كما قيل:
خيالك في عيني وذكرك في فمي ** ومثواك في قلبي فأين تغيب
وقيل هي أن يستوي قرب دار المحبوب وبعدها عند المحب، كما قيل:
يا ثاويا بين الجوانح والحشى ** مني وإن بعدت علي دياره
عطفا على صب يحبك هائم ** إن لم تصله تصدعت أعشاره
لا يستفيق من الغرام وكلما ** حجبوك عنه تهتكت أستاره
وقيل هي ثبات القلب على أحكام الغرام واستلذاذ العذل فيه والملام، كما قيل:
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ** متأخر عنه ولا متقدم
وأهنتني فأهنت نفسي جاهدا ** ما من يهون عليك ممن يكرم
أشبهت أعدائي فصرت أحبهم ** إذ كان حظي منك حظي منهم
أجد الملامة في هواك لذيذة ** حبا لذكرك فليلمني اللوم
ـ[أبو حسن الشامي]ــــــــ[29 - 09 - 04, 03:24 م]ـ
يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله في شرح العشق:
وأما العشق فهو أمرّ هذه الأسماء وأخبثها وقل ما ولعت به العرب وكأنهم ستروا اسمه وكنوا عنه بهذه الأسماء فلم يكادوا يفصحوا به ولا تكاد تجده في شعرهم القديم وإنما أولع به المتأخرون ولم يقع هذا اللفظ في القرآن ولا في السنة إلا في حديث سويد بن سعيد وسنتكلم عليه إن شاء الله تعالى
وبعد فقد استعملوه في كلامهم، قال الشاعر:
وماذا عسى الواشون أن يتحدثوا ** سوى أن يقولوا إنني لك عاشق
نعم صدق الواشون أنت حبيبة ** إلي وإن لم تصف منك الخلائق
قال في الصحاح العشق فرط الحب وقد عشقها عشقا مثل علم علما وعشقا أيضا عن الفراء، قال رؤبة:
ولم يضعها بين فرك وعشق
قال ابن السراج إنما حركه ضرورة وإنما لم يحركه بالكسر إتباعا للعين كأنه كره الجمع بين كسرتين فإن هذا عزيز في الأسماء ورجل عشيق مثل فسيق أي كثير العشق والتعشق تكلف العشق
قال الفراء: يقولون امرأة محب لزوجها وعاشق
وقال ابن سيده العشق عجب المحب بالمحبوب يكون في عفاف الحب ودعارته يعني في العفة والفجور
وقيل العشق الاسم والعشق المصدر وقيل هو مأخوذ من شجرة يقال لها عاشقة تخضر ثم تدق وتصفر قال الزجاج واشتقاق العاشق من ذلك
وقال الفراء عشق عشقا وعشقا إذا أفرط في الحب والعاشق الفاعل والمعشوق المفعول والعشيق يقال لهذا ولهذا وامرأة عاشق وعاشقة، قال:
ولذ كطعم الصرخدي طرحته ** عشية خمس القوم والعين عاشقه
وقال الفراء العشق نبت لزج وسمي العشق الذي يكون من الإنسان للصوقه بالقلب
وقال ابن الأعرابي العشقة اللبلابة تخضر وتصفر وتعلق بالذي يليها من الأشجار فاشتق من ذلك العاشق
وقد اختلف الناس هل يطلق هذا الاسم في حق الله تعالى؟
فقالت طائفة من الصوفية لا بأس بإطلاقه وذكروا فيه أثرا لا يثبت وفيه: "فإذا فعل ذلك عشقني وعشقته"
وقال جمهور الناس لا يطلق ذلك في حقه سبحانه وتعالى فلا يقال إنه يعشق ولا يقال عشقه عبده ثم اختلفوا في سبب المنع على ثلاثة أقوال أحدها عدم التوقيف بخلاف المحبة، الثاني أن العشق إفراط المحبة ولا يمكن ذلك في حق الرب تعالى فإن الله تعالى لا يوصف بالإفراط في الشيء ولا يبلغ عبده ما يستحقه من حبه فضلا أن يقال أفرط في حبه، الثالث أنه مأخوذ من التغير كما يقال للشجرة المذكورة عاشقة ولا يطلق ذلك على الله سبحانه وتعالى
¥