وروى أبو قتادة قال: (خرجنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عام حنين فلما التقينا , رأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته بالسيف على حبل عاتقه ضربة , فأدركه الموت ثم إن الناس رجعوا وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: من قتل قتيلا له عليه بينة , فله سلبه قال: فقمت فقلت: من يشهد لي؟ فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ما لك يا أبا قتادة فاقتصصت عليه القصة فقال رجل من القوم: صدق يا رسول الله سلب ذلك القتيل عندي , فأرضه منه فقال أبو بكر الصديق: لا ها الله إذا تعمد إلى أسد من أسد الله تعالى يقاتل عن الله وعن رسوله , فيعطيك سلبه فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: صدق فأسلمه إليه قال: فأعطانيه) متفق عليه.
وعن أنس قال (قال: رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم حنين: من قتل قتيلا , فله سلبه) فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا فأخذ أسلابهم رواه أبو داود.
أن السلب للقاتل في كل حال , إلا أن ينهزم العدو وبه قال الشافعي وأبو ثور وداود , وابن المنذر
وقال مسروق: إذا التقى الزحفان فلا سلب له إنما النفل قبل وبعد ونحوه قول نافع كذلك
قال الأوزاعي , وسعيد بن عبد العزيز وأبو بكر بن أبي مريم السلب للقاتل ما لم تمتد الصفوف بعضها إلى بعض , فإذا كان كذلك فلا سلب لأحد
(ترجيح ابن قدامه) ولنا عموم قوله عليه السلام: (من قتل قتيلا , فله سلبه).
ولأن أبا قتادة إنما قتل الذي أخذ سلبه في حال التقاء الزحفين ألا تراه يقول: فلما التقينا رأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين.
وكذلك قول أنس: فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا وأخذ أسلابهم وكان ذلك بعد التقاء الزحفين , لأن هوازن لقوا المسلمين فجأة فألحموا الحرب قبل أن تتقدمها مبارزة.
وروى سعيد: حدثنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو , عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك قال: غزونا إلى طرف الشام , فأمر علينا خالد بن الوليد فانضم إلينا رجل من أمداد حمير فقضى لنا أنا لقينا عدونا , فقاتلونا قتالا شديدا وفي القوم رجل من الروم على فرس له أشقر , وسرج مذهب ومنطقة ملطخة وسيف مثل ذلك , فجعل يحمل على القوم ويغري بهم فلم يزل المددى يحتال لذلك الرومي حتى مر به , فاستقفاه فضرب عرقوب فرسه بالسيف ثم وقع , فأتبعه ضربا بالسيف حتى قتله فلما فتح الله الفتح أقبل بسلب القتيل وقد شهد له الناس أنه قاتله , فأعطاه خالد بعض سلبه وأمسك سائره فلما قدم المدينة استعدى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فدعا خالدا , فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " ما منعك يا خالد أن تدفع إلى هذا سلب قتيله؟ " قال: استكثرته له قال: " فادفعه إليه " وذكر الحديث رواه أبو داود.
أنه إنما يستحق السلب بشروط أربعة:
أحدها أن يكون المقتول من المقاتلة الذين يجوز قتلهم فأما إن قتل امرأة , أو صبيا أو شيخا فانيا أو ضعيفا مهينا , ونحوهم ممن لا يقاتل لم يستحق سلبه لا نعلم فيه خلافا وإن كان أحد هؤلاء يقاتل استحق قاتله سلبه , لأنه يجوز قتله ومن قتل أسيرا له أو لغيره لم يستحق سلبه لذلك.
الثاني أن يكون المقتول فيه منعة , غير مثخن بالجراح فإن كان مثخنا بالجراح فليس لقاتله شيء من سلبه وبهذا قال مكحول , وجرير بن عثمان والشافعي لأن معاذ بن عمرو بن الجموح أثبت أبا جهل وذفف عليه ابن مسعود , فقضى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح ولم يعط ابن مسعود شيئا وإن قطع يدي رجل ورجليه وقتله آخر , فالسلب للقاطع دون القاتل لأن القاطع هو الذي كفى المسلمين شره وإن قطع يديه أو رجليه وقتله الآخر فالسلب للقاطع , في أحد الوجهين لأنه عطله فأشبه الذي قتله والثاني سلبه في الغنيمة لأنه إن كانت رجلاه سالمتين , فإنه يعدو ويكثر وإن كانت يداه سالمتين فإنه يقاتل بهما , فلم يكف القاطع شره كله ولا يستحق القاتل سلبه لأنه مثخن بالجراح وإن قطع يده ورجله من خلاف فكذلك وإن قطع إحدى يديه وإحدى رجليه , ثم قتله آخر فسلبه غنيمة ويحتمل أنه للقاتل لأنه قاتل لمن لم يكف المسلمين شره وإن عانق رجل رجلا فقتله آخر , فالسلب للقاتل وبهذا قال الشافعي وقال الأوزاعي: هو للمعانق ولنا قول النبي ـ صلى الله عليه
¥