إن لم تكن منصوصة بظاهر وليس فيما استنبطت بضائر
إن جا لفقد الشرط أو لما منع والوفق في مثل العرايا قد وقع
فقد أشار في الأبيات إلى خمسة أقوال في النقض: هل هو تخصيص، أو إبطال للعلة، مع التفاصيل التي ذكرها في الأقوال المذكورة.
واختار بعض المحققين من أهل الأصول: أن تخلف الحكم عن الوصف إن كان لأجل مانع منع من تأثير العلة، أو لفقد شرط تأثيرها فهو تخصيص للعلة، وإلا فهو نقض وإبطال لها. فالقتل العمد العدوان علة لوجوب القصاص إجماعاً.
فإذا وجد هذا الوصف المركب الذي هو القتل العمد العدوان، ولم يوجد الحكم الذي هو القصاص في قتل الوالد ولده لكون الأبوة مانعاً من تأثير العلة في الحكم ـ فلا يقال هذه العلة منقوضة. لتخلف الحكم عنها في هذه الصورة، بل هي علة منع من تأثيرها مانع. فيخصص تأثيرها بما لم يمنع منه مانع.
وكذلك من زوج أمته من رجل، وغره فزعم له أنها حرة فولد منها. فإن الولد يكون حراً، مع أن رق الأم علة لرق الولد إجماعاً. لأن كل ذات رحم فولدها بمنزلتها. لأن الغرور مانع منع من تأثير العلة التي هي رق الأم في الحكم الذي هو رق الولد.
وكذلك الزنى: فإنه علم للرجم إجماعاً.
فإذا تخلف شرط تأثير هذه العلة التي هي الزنى في هذا الحكم الذي هي الرجم، ونعني بذلك الشرط الإحصان. فلا يقال إنها علة منقوضة، بل هي علة تخلف شرط تأثيرها. وأمثال هذا كثيرة جداً. هكذا قاله بعض المحققين.
قال مقيده عفا الله عنه: الذي يظهر: أن آية «الحشر» دليل على أن النقض تخصيص للعلة مطلقاً، والله تعالى أعلم. ونعني بآية «الحشر» قوله تعالى في بني النضير: {وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ ?للَّهُ عَلَيْهِمُ ?لْجَلاَءَ لَعَذَّبَهُمْ فِى ?لدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى ?لاٌّخِرَةِ عَذَابُ ?لنَّارِ}.
ثم بين جل وعلا علة هذا العقاب بقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ?للَّهَ وَرَسُولَهُ}. وقد يوجد بعض من شاق الله ورسوله، ولم يعذب بمثل العذاب الذي عذب به بنو النضير، مع الاشتراك في العلة التي هي مشاقة الله ورسوله.
فدل ذلك على أن تخلف الحكم عن العلة في بعض الصور تخصيص للعلة لا نقض لها. والعلم عند الله تعالى.
أما مثل بيع التمر اليابس بالرطب في مسألة بيع العرايا فهو تخصيص للعلة إجماعاً لا نقض لها. كما أشار له في الأبيات بقوله: * والوفق في مثل العرايا قد وقع *
قال مقيده عفا الله عنه: الظاهر أن التحقيق في هذه المسألة التي هي: هل يعذر المشركون بالفترة أو لا؟ هو أنهم معذورون بالفترة في الدنيا، وأن الله يوم القيامة يمتحنهم بنار يأمرهم باقتحامها. فمن اقتحمها دخل الجنة وهو الذي كان يصدق الرسل لو جاءته في الدنيا. ومن امتنع دخل النار وعذب فيها، وهو الذي كان يكذب الرسل لو جاءته في الدنيا. لأن الله يعلم ما كانوا عاملين لو جاءتهم الرسل.
وإنما قلنا: إن هذا هو التحقيق في هذه المسألة لأمرين:
الأول ـ أن هذا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثبوته عنه نص في محل النزاع. فلا وجه للنزاع ألبتة مع ذلك.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية التي نحن بصددها، بعد أن ساق الأحاديث الكثيرة الدالة على عذرهم بالفترة وامتحانهم يوم القيامة، رادا على ابن عبد البر تضعيف أحاديث عذرهم وامتحانهم، بأن الآخرة دار جزاء لا عمل، وأن التكليف بدخول النار تكليف بما لا يطاق وهو لا يمكن ـ ما نصه:
والجواب عما قال: أن أحاديث هذا الباب منها ما هو صحيح كما قد نص على ذلك كثير من أئمة العلماء، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضيف يتقوى بالصحيح والحسن. وإذا كانت أحاديث الباب الواحد متصلة متعاضدة على هذا النمط، أفادت الحجة عند الناظر فيها. وأما قوله: إن الدار الآخرة دار جزاء، فلا شك أنها دار جزاء، ولا ينافي التكليف في عرصاتها قبل دخول الجنة أو النار. كما حكاه الشيخ أبو الحسن الأشعري عن مذهب أهل السنة والجماعة من امتحان الأطفال، وقد قال تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى ?لسُّجُودِ}.
¥