قال الشيخ ناصر: بعد أن حمد الله وأثنى عليه , وشكر الشيخ عبدالكريم الخضير, وأثنى على جهده في هذا الموضوع , قال أنا أود أن أنبه إلى قضية مهمة وقبل أن أدخل في مواضيع كتب العقيدة: أن السلف رحمهم الله تركوا لنا تراثا ضخماً جداً لا يمكن أن يوازى بأي حضارة أو تراث موجود على وجه الأرض , ولا أدل على ذلك مما نشاهده الآن في كل مكتبات العالم مما تركوه لنا من مخطوطات , والتي أخرج منها الآن إنما هو نزر يسير , والسلف رحمهم الله تركوا لنا حضارة كبيرة مما يدل على اعتنائهم بالعلم , وأي أمة اعتنت بالعلم واهتمت بالعلم كما كان سلفنا فسوف تحوز السبق على غيرها من الحضارات. الأمر الآخر: السلف رحمهم الله وهو أنهم لما بدأوا يدونون السنة دونوها تدوينا عاما شاملا وبدأ على هيئة المسانيد كما ذكر فضيلة الشيخ لكن كان منطلقهم بذلك أمرين , الأمر الأول: أن غرضهم الحفظ. والأمر الثاني: أنه كان اعتقادهم وكان منهجهم أن ذلك كله دين من عند الله , فلم يفرقوا بين عقائد ولا أحكام كله يأخذونه دين لله عز وجل , ودين يتدينون لله عز وجل به. متى ظهر التفريق بين كتب العقائد والحديث وغيرها؟ لما ظهرت البدع و بدأوا يصنفون فيها اضطر السلف رحمهم الله وكان هذا اضراراً منهم أن جعلوا أول مرحلة من مراحل التدوين أن ألحقوا بكتب السنة مثل الكتب الستة وغيرها أبواب , فخصصوا كتبا وأبوابا في الاعتقاد والرد على المخالفين , وهذا أمر تكلم عنه الشيخ في " كتاب التوحيد " و" كتاب الإيمان " في مسلم والبخاري وغيرها ولا نريد أن نتكلم عنه. بعد ذلك السلف رحمهم الله لما إشتدت قوة أهل البدع , وبدأوا يصنفون , لاسيما المعتزلة - وأنا أشير إلى المعتزلة لأنهم أكثروا جدا من التصنيف - فالسلف رحمهم الله مما يدل على فقههم وذكائهم وفطنتهم ورسوخ علمهم لم يقفوا مكتوفي الأيدي , بل إنهم واجهوا هذه الوسيلة الإعلامية الضخمة وهي الكتاب بأن تفننوا في التأليف , فبدأوا في إفراد كتب في الاعتقاد , وكان أمراً عجباً فنجد أن السلف رحمهم الله صنفوا مصنفات شاملة في كل أبواب الاعتقاد , منها المختصر كرسائل مختصرة مثل رسالة الإمام أحمد في الاعتقاد , ومثل رسالة الإمام البخاري في الاعتقاد , ورسالة الإمام الثوري في الاعتقاد , وهذه كلها مودعه فمن أراد أن ينظر إليها في المجلد الأول من " شرح أصول إعتقاد أهل السنة " للالكائي , ثم بعد ذلك تطوروا فكبروا وتوسعوا وجعلوا هناك مصنفات شاملة بأحاديث مسندة واستدلالات وردود , مثل كتاب " السنة " لعبدالله ابن الإمام أحمد , ومثل كتاب " السنة " لابن أبي عاصم , وكان هذا كله في الحقبة الأولى , وهي القرون الثلاثة الأولى , وبهذه المناسبة فكتاب " السنة " لابن أبي عاصم هذا أعجوبة , وأنا لم أجد أحداً من الباحثين أشاد به , كتاب " السنة " لابن أبي عاصم أنا أستطيع أن أشبهه بكتاب البخاري , فقد بوبه على أبواب تفصيلية وأودع فيه فقهاً واستنباطا وردودا على أهل البدع, شيء عجيب بل إنه كان يودع أبواباً مرسلة مثل الإمام البخاري , يقول " باب " ولا يجعل له ترجمة , وقد حصرتها فوجدت أن فيها من الفوائد والاستنباطات شيئاً عظيماً , وكمثال لمّا أورد الحديث المشهور عن ابن عباس رضي الله عنه لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: " يا غلام إني أعلمك كلمات " الحديث , المشهور والمعروف في كتب السنة وغيرها أنه عن ابن عباس وأنها وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس , الإمام ابن أبي عاصم أورد الحديث المشهور , لكنه عقد بابا مستقلاً وقال " باب " مرسلا ثم أورد فيه هذا الحديث ليس عن ابن عباس وإنما عن جعفر ابن أبي طالب , وهذه فائدة وأراد أن ينبه إلىأنها فائدة وأفرده لوحده , وكذلك كان الإمام رحمه الله ابن أبي عاصم إذا كان الحديث فيه كلام وفي النفس منه شيء أو يكون فيه ضعف شديد , كان يفرده بباب مستقل في آخر الباب وغيرها من الفوائد. بعد ذلك انتقل السلف رحمهم الله وصنفوا في كتب عامة كتابا كبيرا من كتب الاعتقاد , مثل أن يؤلفوا في " الإيمان " كتاباً مستقلاً أو في " الأسماء والصفات " , فظهر لنا مثل كتاب " الإيمان " لأبي عبيد القاسم بن سلام , وكتاب " الإيمان " لابن أبي شيبة وكتاب " الإيمان " لأبي عمر العدني وغيرهم , ثم بعد ذلك زادوا وتفننوا فأفردوا مصنفات
¥